تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

سلوى محمد الصالح | Salwa M. Alsaleh

Associate Professor

Theoretical Particle Physics

كلية العلوم
مبنى 5، الدور 3 . رقم المكتب 221
مدونة

هل يمكن السفر عبر الزمن ؟ - المنحنيات الزمانية المغلقة

تأتي بعض الأيام و يتمنى أحدنا لو تمكن من الرجوع للزمن للوراء، ربما لتصحيح خطأ ارتكبه، أو للقاء عزيز على القلب خطفه منه الزمن أو ربما لتكرار عيش لحظات سعيدة ... بالرغم من أمنياتنا تلك إلا أننا ندرك أن هذا غير ممكن، وربما غير منطقي !  

نعلم جيدا أن الزمان مطلق لا يتأثر بما يجري من حوله هو ما يغيِر ولا يُغيَّر... ولكن هذا ليس صحيحيا تماما، منذ 100 عام من اليوم، و تلك الرؤية السرميدة و الفلسفية للزمان قد مزقتها نظرية النسبية العامة إربا إربا ! فالزمان مرن و يتأثر بالمادة ، ينحني و ربما يلتف أيضا ، يعتمد على الراصد و بعيد كل البعد عن المطلق.  تلك الحقيقة العلمية أصبحت أمرا مفروغا منه و لم يعد الجدل بها ذو جدوى. لم يعد الزمن أمرا فلسفيا أو شاعريا، بل دخل مختبرات العلم و ألواح النظريين السوداء التي تكسوها الطباشير ! بدلا من أن يكون بمتناول أقلام الأدباء و الشعراء و الفلاسفة .  

في مثل هذا الشهر ( نوفمبر) من سنة 1915 نُشِرت ورقة غيرت الفيزياء رأسا على عقب، ألا و هي نظرية النسبية العامة للفيزيائي النظري ألبرت اينشتاين. النسبية العامة نظرية هندسية للجاذبية، تقوم على أساس التكافؤ العام بين الراصدين المتسارعين تسارعا منتظما و أولئك الواقعين تحت تأثير الجاذبية . تبين أن الزمكان ( الزمان و المكان) نسيج واحد لا يمكن الفصل بينهما كما عهدنا سابقا ، كما أنهما مرنين قابلين للإنحناء (*) تحت تأثير المادة و الطاقة .  مفسرا بذلك التفاعل التجاذبي على أنه تغير بالهندسة الداخلية للزمكان. و من هنا يجب التنويه أن " الهندسة الداخلية"  هي خاصية ذاتية بالزمكان و تقريبها بغشاء منحنٍ بشكل خارجي تشبيه مجحف و بعيد عن الدقة.  

النسبية العامة نظرية ناجحة للغاية إن طبقت على المسائل الفلكية من مسارات الكواكب و غيرها من الأجرام السماوية، إلى حساب تباطؤ الزمن بالقرب من سطح الأرض، حساب له أهمية قصوى بالنسبة لنظام تحديد المواقع العالم GPS. ولكن تخفي معادلات حقل أينشتاين الخاصة بالنسبية العامة بين رموزها الكثير من المعضلات و ربما تحمل معها أحلام الطامحين ب " آلة الزمن" .  

النسبية العامة نظية توبولوجية (**)، بالتالي إن كنت جيدا بتصور توبولوجيا الزمكان بإمكانك – من حيث المبدأ- إيجاد حلول المعادلات الحقل لنوع من المادة و بترتيب معين تستطيع به تحقيق التوبولوجيا التي تتصورها ، وربما لن تستطيع، و بهذا فإن الزمكان كما تصفحه معادلات الحقل، أو حتى المادة التي تحتاجها لا تسمح بها الفيزياء.  و من تلك التوبولوجيات التي نريد التأكد من خلو الزمكان منها هي توبولوجيات آلات الزمن، أو ما تسمى بالمنحنيات الزمانية المغلقة، فتلك التوبولوجيات تخرق مبدأ السببية، الذي يبدو منطقيا للغاية وواضحا، و الذي ينص باختصار : 

"  لكي يكون لأي حدثين علاقة سببية، أي أن أحدهما سبب بالآخر، يجب أن يقعا ضمن المخروط الضوئي لبعضهما، كما أنه يجب أن يسبق المسبب السبب زمنيا "  

إن الشرط الأول يعني أنه لا يمكن لأي إشارة أن تسبق سرعة الضوء (#) أما الثاني فهو واضح، يجب أن يأتي المسبب قبل السبب، و إلا لا معنى للسببية !!  

في المنحنيات الزمانية المغلقة، حيث يكون مستقبل جسيم / راصد  يقع في ماضيه أو في الماضي  يختل مبدأ السببية تماما، و يختل مفهومنا عن تتابع الأحداث بالكلية !  و مثال على ذلك هو: 

لتكن قد دخلت في منحنى زماني مغلق، ووقت دخولك كان في الساعة الثانية ظهرا، قدد أتتمت دورة كاملة في هذا المنحنى، و ساعتك تشير للسادسة مساءً، ولكن حينها تكون قد عدت إلى " الماضي" أو إلى الزمكان حيث كانت الساعة الثانية ظهرا، إن أتتمت دورتين ستكون قد عدت إلى الماضي أكثر و هكذا.  

إن المنحنايت الزمانية المغلقة هي وصف علمي للسفر " للماضي" ، و هنا لا يمكن وصفها  بالسفر عبر الزمن، لأننا جميعا نسافر عبر الزمن و لكن " باتجاه واحد" . أما في المنحنيات الزمانية المغلقة فسيكون هذا الإتجاه معكوسا.

 

 
Image
 
الطبع السببية و تتابع الأحداث أمران هامين للغاية، فلولاهما سنسمح للكثير من التناقضات المنطقية أن تحدث، مثلما أن ترجع بالزمن للوراء قبل أن ينجب جدك أباك ثم تقتله، حينها من أنجبك أنت ؟ أو إن أردنا وصفا دقيقا و علميا أكثر، إن الإخلال تتابع الأحداث يؤدي لخرق قوانين الحفظ الأساسية في الفيزياء، مثل حفظ الطاقة و الشحنة في الكون في كل لحظة زمنية ($). 

نحتاج إذا أن نمنع تكون تلك الزمكانات الخطيرة و المثيرة للجدل ، ولكن تبين أن النسبية العامة لا تمنعها، بل يمكن إيجاد حلول لمعادلات الحقل تسمح بتكون منحنيات زمانية مغلقة  و من تلك الحلول و أولها حل كيرك جوديل  Kurk Gödel  لكون  ساكن/ لا يتوسع و لكنه يدور و له ثايت كوني، حل جوديل هذا يتنبأ بوجود منحنيات زمانية مغلقة في هذا الكون ( الإفتراضي) بسبب أثر يدعى بجر المحاور   حيث يؤدي انحناء الزمكان و دورانه أيضا لجعل المخاريط الضوئية لبعض المراقبين " تميل" على جانبها بحيث يصبح اتجاه المستقبل بها متقاطعا مع ماضيها.  بالرغم من عدم واقعية حل جوديل، لأن كوننا يبدو أنه يتوسع ولا يحتوي على أي عزم زاوي ( لا يدور أو يدون بسرعة فائقة الضآلة) إلا أن الحل يطرح مشكلة أو نقاش علمي الأساس لمسألة السفر إلى الماضي !

 

 
Text Box
 
Image

أتى حل آخر لإسطوانة لا نهائية  ( أو طويلة بشكل كبير) بها مادة ئات كثافة عالية تدور بسرعة كبيرة مكونتة نفس الأثر السابق في حل جوديل . حيث إن تسارع راصد من المالانهاية إلى تلك الإسطوانة سيدخل في منحنيات زمانية مغلقة بالقرب منها ، ولكن هذا الحل احتوى على مشاكل  تحد كثيرا من أهميته ، حيث كثافة المادة تزداد كلما كبر نصف قطر الإسطوانة، و هذا لا يحدث في المادة العادية ( حيث تقل الكثافة كلما زاد الحجم مع ثبات الكتلة. و أيضا الجدل إن كانjت هذه الإسطوانة لا نهائية أم متناهية .  تولد الثقوب السوداء الدوارة أيضا ( حل كير) منحنيات زمانية مغلقة ولكن الأخيرة تقع ضمن أفق حدث الثقب الأسود ، وإن دار الثقب الأسود بسرعة كبيرة ، سيؤول الحل لحل الإسطوانة السابقة التي إكتشف حلها فان ستوكوم و van Stockum إكتشف خصائصها بتكوين متحنيات زمانية مغلقة تبلر، لذلك تسمى باسطوانية تبلر .

تبدو الحلول السابقة غير واقعية و بعيدة عن أي تبطيق ممكن، ولكنها مهمة في طرح الفكرة و كيف يمكن للنسبية العامة – من حيث المبدأ – أن تسمع " لآلات الزمن" بالتكون.  

حلول أكثر أهمية أتت لاحقا، و التي تعرف بالثقوب الدودية الناقلة، سنتحدث عن الثقوب الدودية و الفيزياء الخاصة بها في مقال خاص لاحقا.  

من الحلول الأخرى لآلات الزمن هو زمكان مينسر Minser، و الذي تمثل برقعة من الزمكان تشبه تلك التي في لعبة Packman الشهيرة ، حيث إن إنتهيت إلى حافة اللعبة ستخرج من الحافة المقابلة، هذا هو الحال –تقريبا -من فضاء مينسر و الذي إن طبق على " حافة زمنية" معينة سيكون آلة زمن . يوجد العديد من لحلول الآخرى التي ظهرت لاحقا و التي أصبحت تعرف ب حلول آلات الزمن. 

 

 
Text Box
 
 

 
Text Box
 
Image

 

 
Text Box
 

و الآن يبقى السؤال، هل تسمح قوانين الفيزياء بهذا ؟؟

 

 
Text Box
 
Imageافترض ألبرت أينشتاين أن للمادة شروط معينة كي يمكن أن تسمح للفيزياء بوجودها، تعرف هذه بشروط الطاقة (°) ، و افترض أيضا أنه بالإمكان تجاوز تلك الزمكانات المثيرة للمتاعب بفرض شروط الطاقة تلك، ولكن ذلك لم ينفع، فنحن نعلم بحالات تُخرق بها شروط الطاقة ، مثل الفراغبين لوحين قريبين من بعضهما ( فراغ كازيمير).  ستيفن هاوكينغ قام بفرض " حماية تستسل الزمن" بافتراض بعض المسلمات القائمة على تحليل توبولوجي و لشروط الطاقة، لن نخوض في تفاصيل حماية تستسل الزمن بشكل تجريدي، ولكن سنذكر بعض الأمثلة للتناقضات التي يمكن أن تمنع تكون آلات الزمن. أولى تلك الأمثلة هي افق الحدث للثقوب الدودية، و التي تعالج بافتراض مادة تخرق شروط الطاقة ، وسنتحدث عن هذه الحالة في الماقل الخاص بفيزياء الثقوب الدودية . و من الافتراضات حول حماية تستسل الزمن، و باختصار هي أنه لا يمكن لهندسة محصورة أن تنتج المنحنيات الزمانية المغلقة، و ذلك مثل افتراض أن اسطوانة تبلر لا نهائية، يمكن تجاوز هذه المعضلة بافتراض منطقة " غير زمانية" مثل تلك التي في داخل الثقوب السوداء أو مادة تكون الإستوانة تكون خارقة للشروط تجعلها محدودة الطول الحجم.  

 

من المعضلات أيضا هو انبعاث موجة كهرومغناطيسية ضمن زمكان مثل زمكان مينسر، حيث ستشهد الأخيرا تضخيما و انزياحا نحو الأزرق بسبب هذه الهندسة يؤدي بالنهاية لتكون ثقب أسود . عند دراسة نظية الحقل الكمومي في تلك المنحنيات، تحدث الكثير من التناقضات التي تهدد الفيزياء كما نعرفها، و التي يصر ستيفن هاوكينج أن نظرية الحقل الكمومي ستحد كثرا من استقرار المنحنيات الزمانية المغلقة للغاية مؤدية إلى إنهيار تلك الزمكانات و بذلك تحفظ السببية و التسلسل الزمني.  

بالرغم من هذا، لا يوجد إثبات رياضي شامل لفرض هاوكينج، كما أن بعض الزمكانات تبدو أنها مستقرة بالنسبة لفرض هاوكينج حول الأثار الكمومية و يبقى الجدل قائما في إنتظار حسمه من نظرية جاذبية كمومية مكتملة ! 

 

(*) :الإنحناء Curvature  هي خاصية هندسية بالأسطح  تعرف رياضيا بأنها فشل متجه يسير بمسار مغلق أن يعود إلى حالته الأصلية عند إكمال هذا المسار. فمثلا الكرة هي سطح منحني ثنائي الأبعاد. 

(**) : التوبولوجيا  topology  ، علم يدرس الأشكال و الأسطح في الفراغ. النظريات التوبولوجية نظريات تفسر تغير الأشكال أو ديناميكا الأشكال تلك.  

(#): تعتبر سرعة الضوء هي السرعة القصوى، لا يمكن نقل أي إشارات بسرعة أكبر من سرعة الضوء. و نعرف المخروط الضوئي light cone ي أنه جزء من الزمكان خاص بكل " راصد" و يشمل جميع النقاط من الزمكان ( الأحداث) التي يمكن لهذا الراصد أن يتواصل معها سببيا، اي يكون مسببا لها أو أثرا منها.  

($):تعرف هذه بقوانين الحفظ conservation laws ، و التي تترجم بلغة ميكانيك الكم / نظرية الحقول الكمومية بمفهوم الواحدية  Unitarity 

(°):  شروط الطاقة Energy Conditions هي خصائص أو قيود معينة على طبيعة التنسور الخاص بالطاقة و الإجهاد  Stress-Energy Tensor  كي يمكن استخدام الأخير في معادلات حقل أينشتاين بصورتها التقليدية.  

 

ملحق بالمصطلحات العلمية : 

. زمكان  spacetime 

 منحنى زماني مغلق  Closed Timelike Curve ( CTC) 

ساكن  Static / Stationary  

ثابت كوني  Cosmological Constant  

عزم زاوي  Angular momentum   

جر المحاور  Frame Dragging  

راصد  محور  Observer/ frame  

اسطوانة تبلر Tipler’s Cylender  

ثقب أسود دوار / تقب كير الأسود  Rotating Blackhole / Kerr Blackhole 

ثقب دودي ( ناقل) :  ( Transversable) Wormhole 

حماية تسلسل الزمن : Chronology Protection Conjecture  

تسلسل الزمن :  Chronology  

 السببيبة  Causality 

الإنزياح نحو الأزرق  Blue Shift ( Gravity) 

محصور ( توبولوجيا) : Compact ( manifold ) 

 

 

 

 

Image