تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

رشود بن محمد الخريف

Professor

المشرف على مركز الدراسات السكانية

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
46أ
المنشورات
2010

وماذا عن الخلوة المتحركة؟!

د. رشود الخريف

لم تنل مسألة اجتماعية حيزاً من النقاش والحوار والخصومات والاتهامات، مثلما حظيت به قضية قيادة المرأة للسيارة في المجتمع السعودي ففي إحدى ليالي ''نجد'' الجميلة انطلق النقاش في مجلسنا حول قيادة المرأة للسيارة؛ فاختلفت الآراء واحتدم النقاش وارتفعت بعض الأصوات.

هناك من يرى أن هذه المسألة شأن اجتماعي يجد جذوره في الثقافة والقيم المحلية، ويؤكدون عدم وجود ما يمنع المرأة من قيادة السيارة من الناحية الدينية، مشيرين إلى أنها كانت تقود وسائل النقل التقليدية، كالجمال ونحوها، وأن قيادة السيارة ليست إلا اختلافاً في الوسيلة وليس في المفهوم. ويشيرون إلى أن قيادة المرأة مرتدية الحجاب الإسلامي أفضل من ذهابها مع السائق الأجنبي، الأمر الذي يصفه بعضهم بـ ''الخلوة المتحركة''.

ويخلص أصحاب هذا الرأي إلى أن لقيادة المرأة للسيارة إيجابيات وسلبيات شأنه في ذلك شأن كثير من المسائل الاجتماعية، وأن السماح للمرأة لا يعني تقبل جميع أولياء الأمور هذا الأمر، أو نزول جميع النساء في الشوارع بسياراتهن دفعة واحدة، ويضيفون أن شركات أو أندية لخدمات السيارات يمكن أن تنشأ في كل مدينة لتقدم خدماتها لإسعاف السيارات التي تُصاب بعطل في الطريق، كما هو موجود في بعض الدول مثل AAA في أمريكا وغيرها. ويشترط بعض أصحاب هذا الرأي أن تكون قيادة المرأة للسيارة وفق ضوابط واضحة، كتحديد ساعات معينة، أو أعمار محددة، أو ضرورة وجود قوى أمن نسائية. ويشيرون إلى مشكلات اقتصادية نتيجة استقدام السائقين الوافدين، وإلى مشكلات أمنية، وإلى مشكلات ثقافية تتعلق بالتأثير في القيم الثقافية خاصة لدى الأطفال، وغيرها.

وفي المقابل، يرى فريق آخر أن قيادة المرأة للسيارة ''ليست بمحرم لذاته وإنما لغيره من المفاسد المتوقعة''، فقيادة المرأة للسيارة باب لكثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية، كالسفور، والمضايقات، والتعرض للخطر في حال تعطل السيارة، وسبيل للخروج المتكرر من المنزل دون مبرر، ومن ثم فقدان الزوج القوامة أو السيطرة. ويضيفون أن الازدحام المروري سيزداد بسبب قيادة المرأة للسيارة، وستكثر الحوادث المرورية والوفيات، مؤكدين أن الشوارع تكاد لا تستوعب سيارات الرجال في الوقت الحاضر، فكيف لو انضمت إليها سيارات النساء الوردية؟! باختصار يخلص أصحاب هذا الرأي إلى أن قيادة المرأة للسيارة فكرة سيئة وتطبيقها على واقع مجتمعنا سينتج عنه سلبيات لا يمكن تصورها، خاصة مع غياب بعض الأنظمة التي تكفل التطبيق الآمن. ويستطردون بالقول ''إن المرأة جوهرة مصونة'' ينبغي أن تبقى كذلك!

ويرى فريق ثالث أن قيادة المرأة للسيارة قضية هامشية لا ينبغي التركيز عليها، خاصة أن المجتمع يواجه مشكلات (أهم) ينبغي أن تأخذ الأولوية وأن تحظى بالاهتمام قبل النظر في مسألة السيارة وقيادة المرأة لها، مثل: بطالة الشباب، الفقر، المخدرات، وتدني مستوى التعليم.

وفي خضم هذه المحاجة، يقفز في الذهن التساؤل التالي: ماذا لو قامت لجنة مختصة بدراسة السلبيات والإيجابيات المتوقعة دراسة علمية متأنية، كي تستند الآراء إلى بيانات دقيقة، يسترشد بها ولاة الأمر وأصحاب الفضيلة العلماء وأصحاب الرأي والحكمة، بدلاً من الانطلاق من توقعات لا تعتمد على دراسات علمية؟ أقول ذلك لأنني لم أقرأ أو أسمع عن دراسة من هذا النوع حتى الآن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى, فإن الدراسات لمثل هذا الموضوع لا تكلف الكثير، خاصة أن مجتمعنا ـــ بحمد الله ـــ أصبح يسترشد بالدراسات العلمية ويعتمد عليها في كثير من الأمور. وبما أن البلدان المجاورة تسمح للمرأة بقيادة السيارة فيمكن الاستفادة من تجاربهم لفهم أبعاد هذا الموضوع وإيضاح الإيجابيات والسلبيات من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.

ختاماً، إن الجدل لم يعد مقتصراً على عامة الناس، أو بين الليبراليين ـــ كما يحلو للبعض أن يسميهم ـــ وغيرهم، بل انتقل الجدل (أو قُل الحوار) إلى المشايخ وعلماء الدين أنفسهم، ما يدل على حدوث تحول ما في المجتمع السعودي. وفي كل الأحوال لا يساورني شك في أن جميع الآراء والأصوات حول هذه المسألة تنطلق من حرص أصحابها على سلامة المجتمع السعودي، واهتمامهم بمستقبله.

مزيد من المنشورات
publications

دراسة تُعنى بالتعرف على التحضر ومعدلات النمو في المدن السعودية وخصائص المنظومة الحضرية في المملكة العربية السعودية وذلك بناء على بيانات ثلاثة تعدادات سكانية

2007
تم النشر فى:
الجمعية الجغرافية الكويتية
publications

تهدف إلى التعرف على مستوى الخصوبة في المملكة، بالإضافة إلى الوقوف على أهم المتغيرات المرتبطة بالسلوك الإنجابي للمرأة السعودية والمؤثرة فيه، وذلك بالاعتماد على بيانات المسح الديموغرافي الشامل…

1423
publications

يُعنى الكتاب بإبراز التباين المكاني في معدلات الجريمة بأنواعها الرئيسة بين المدن السعودية وتحديد العوامل المؤثرة فيها إلى جانب التعرف على خصائص الجناة.

1998
تم النشر فى:
وزارة الداخلية