عروبة اليوم.. رؤى ثقافية

2010

د. رشود الخريف

استمتعت خلال إجازة عيد الأضحى بقراءة كتاب لا يمكن وصفه إلا بالكتاب اللذيذ، هذا الكتاب هو كتاب ''عروبة اليوم.. رؤى ثقافية'' للدكتور عبد العزيز السبيّل الذي صدر قبل أشهر قليلة، وهو يجمع مقالات تُعنى بالثقافة نُشرت في أوقات مختلفة، وفي صحف سعودية متعددة. أقول لذيذ لأنه كُتب بأسلوب جميل، يتسم بالبساطة والرصانة والرقي في الطرح، والجرأة والشفافية في المناقشة، ليس ذلك فحسب بل لن يستغرق القارئ وقتاً طويلاً قبل أن يلحظ تنوعاً كبيراً في الموضوعات وتعدداً في الأطروحات والآراء، ما يتيح للقارئ قطف ما يروق له من الثمار، إما في بداية الكتاب أو في منتصفه أو بالقرب من نهايته، دون التزام بالترتيب والتسلسل، ما بين ''الثقافة العربية والعولمة''، و''سقوط بغداد'' و''شعرنة الغذامي'' و''الجنادرية'' و''حمد الجاسر'' و''القصيبي'' و''مناهج التعليم'' ''و11 سبتمبر'' و''المرأة'' وغيرها كثير.

لن يسمح الحيز المخصص لهذه المقالة باقتطاف زهور كثيرة من حديقة السبيّل، ولكن سنقطف بعض الأمثلة والنماذج. ففي مجال التربية مثلاً، ينبه إلى خطورة عدم اهتمام المناهج التعليمية بإبراز الآراء المتعددة في القضايا الفقهية، مشيراً إلى أن تعريض التلاميذ لآراء فقهية متعددة من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء جيل يؤمن بالاختلاف والتنوع، مؤكداً على ضرورة التركيز على بناء العقل وتنميته في مناهجنا التعليمية من خلال تحفيز التفكير والحوار والمناقشة.

وكذلك يتناول الثقافة وكيفية إدارتها وهمومها، ما بين تأثير العولمة على الهوية العربية والإسلامية، ودور المثقف الذي يتوقع أن يكون مهموماً بالوطن وقضاياه وطموحاً إلى مزيد من التغيير نحو الأفضل، فعندما يتفق السياسي والمثقف ـــــــــ كما يرى السبيّل ـــــــــ، فإن الخاسر الحقيقي هو المجتمع.

وتتنوع موضوعات الكتاب، فيطرح قضية دور عضو مجلس الشورى، متسائلاً: ''هل يعتبر عضو مجلس الشورى ممثلاً للحكومة، أم للمواطن، أم أنه يمثل ذاته، ويقدم في المجلس رؤيته الشخصية؟'' وفيما يخص المرأة، يبدي استغرابه من أن المجتمع منح المرأة نقلة حضارية مكنتها من الوصول إلى مستويات تعليمية متقدمة، ولكن لا يزال جزء كبير منه لا يريد للمرأة أن تنظر إلا من خلال نافذة الرجل!

إلى جانب هذه القضايا الثقافية وغيرها، يطرح بعض المسائل والهموم الأدبية التي تعكس الاهتمامات العلمية والتخصص الأكاديمي لمؤلفه في الأدب والقصة والرواية، متنقلاً ما بين الشعر والسرد الشعبي والقصة القصيرة والرواية، مختتماً الكتاب برحيل نزار قباني ومشاكسات الجواهري وهمومه، وهو القائل:

فالوعي بغي والتحرر سبة

والهمس جرم والكلام حرام

ومدافع عما يدين مخرب

ومطــالب بحقوقه هدام

فكرامة يُهزى بها، وكرامة

يرثى لها وكرامـة تستام

وما دام الحديث عن الكتب السعودية، فهناك كتاب جديد لا يقل جرأة في الطرح، جدير بالقراءة والاهتمام، هو كتاب ''المعرفة قوة.. والحرية أيضاً'' للدكتور فهد العرابي الحارثي الذي يشخص الوضع الحالي للعرب، واصفاً إياه بالسكون المطبق والجمود المدلهم، ومؤكداً أن حجز مقعد في القطار الذي لن ينتظر أحداً يتطلب السعي الجاد لبناء الأجيال من خلال تطوير نظم التعليم ومناهجه والمضي نحو مجتمع المعرفة وبناء شراكات فاعلة مع من حولنا، ودمتم.