تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

إبراهيم محمد إبراهيم الحديثي

Professor

أستاذ القانون الإداري والدستوري

كلية الحقوق والعلوم السياسية
كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون العام، مكتب رقم 2 أ \ 248
صفحة

بحوث: القـرار الإداري وقضـاء التعويـض دكتور/ محمد كمال الدين منير






















 





 

 








برنامج

"القضــاء الإداري"

(الإلغاء والتعويض)

 


11 - 22/10/1429 هـ الموافق 11-22/10/2008     


المملكة العربية السعودية


 

 



























القـرار الإداري وقضـاء التعويـض


 


 

 









المستشار الدكتور/ محمد كمال الدين منير


نائب رئيس مجلس الدولة


المستشار القانوني للبنك المركزي


مصــــر 


 


 


 


 

 

 


القــــــرار الإداري


وقضـــــاء التعويـــض


 


أولا:  الأساس القانوني لمسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية وأركانها :-


( 1 )


            أ‌- استقرت الأحكام القضائية لمجلس الدولة على تحديد الأساس الذي تقوم عليه مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية وأركانها.  ومن ذلك ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2859 لسنة 38ق ق بجلسة 16/11/1997 وجاء بالحكم أن مناط مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية أن تتوافر ثلاثة عناصر تتمثل في ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية بأن يكون القرار غير مشروع أي مشوباً بعيبٍ من العيوب المنصوص ِ عليها في قانون مجلس الدولة (عيب عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة ، وأن  يترتب على هذا القرار أضرار مادية أو أدبية، وأن تقوم علاقة السببية بينهما.


           ب‌-والبادي مما سبق أن المسئولية الإدارية كقاعدةٍ عامةٍ تقوم على أساس ِ توافر الخطأ في القرار الإداري الذي أصدرته الجهة الإدارية، وأنه يلزم لقيام هذه المسئولية توافر كافةٍ أركان المسئولية التقصيرية في حق جهة الإدارة من ناحية الضرر الناجم عن الخطأ، وتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر.


وعلى هذا الأساس، قضت المحكمة في حكمها المشار إليه بتوافر أركان المسئولية الإدارية بسبب التنفيذ الخاطئ لقرار إزالة عقارو جاء بالحكم :-


ومن حيث أنه عن ركن الخطأ، فإن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قامت بإزالة العقار 575 طريق الجيش بسيدي بشر بالإسكندرية استناداً لقرار حي شرق الإسكندرية رقم 204 لسنة 1981 رغم أن هذا القرار حدد بمادته الأولى أن تُزال إدارياً المنشأة الخشبية رقم 576 لذات مالك العقار 575، وكان يتعين على جهة الإدارة أن تراعي عند التنفيذ موضوع القرار ونطاق تطبيقه دون مسايرةٍ للمالك فيما أدخله عليها من لبسٍ نتيجة الحكم الغيابي الصادر من محكمة جنح بلدية الإسكندرية في قضية النيابة العامة رقم 21 لسنة 1981 والقاضي بتغريم مالك العقار 576 بخمسين جنيهاً وضعف رسم الترخيص والإزالة، متخذاً من هذا الحكم سنداً للتنفيذ رغم انتفاء العلاقة بين موضوعه وما تم تنفيذه بشأن العقار رقم 575.


ولمَّا كان من الثابت بالأوراق أن صورة عقد الإيجار والترخيص الصادر للمحلين موضوع النزاع حددا موقعهما بالعقار رقم 575 طريق الجيش – قسم المنتزه- الإسكندرية والذي يملكه نفس مالك العقار 576، فمن ثمَّ يكون تنفيذ قرار الإزالة المتضمن وصفاً لمحل المخالفة بأنها منشأة ٌ خشبيةٌ  على المحلين المذكورين جاء على خلاف الواقع وصحيح حكم القانون مما يشكل خطأ وقعت فيه جهة الإدارة دون سندٍ يبرر لها ذلك.


وإذ ترتب على هذا التنفيذ الخاطئ إلحاق ضررٍ بالطاعنين تمثل في فقدان المحلين واستخدامهما كمشروع ٍ تجاري يدر عليهما ربحاً فضلاً عما لحق بموجودات المحلين من فقدٍ أو إتلافٍ لِما تواجد بها إلى جانب ما تحمله الطاعنان من نفقاتٍ في سبيل الوصول إلى حقهما مع الأخذ في الاعتبار  طول المدة الزمنية التي انقضت وما فات عليهما فيها من مورد رزق ٍ محققٍ ، وكل ذلك يشكل الركن الثاني لتحقق المسئولية الإدارية وهو ركن الضرر.


ومن حيث أنه تحققت علاقة السببية بين ركن الخطأ المتمثل في تنفيذ  الجهة الإدارية لقرار إزالة ينأى موضوعه عما  أجري عليه التنفيذ من حيث المحل، وركن الضرر المتمثل في الخسارة التي لحقت بالطاعنين على النحو المشار إليه، فمن ثمَّ يتعين القضاء بتعويضهما بمبلغ جابر لكل عناصر الضرر تقدره المحكمة فى حدود ما أفصحت عنه الأوراق بمبلغ أربعين ألف جنيه خاصة ً وأن الجهة الإدارية تقاعست مع تكليفها أكثر من مرةٍ عن توضيح ما لابس عملية التنفيذ من ظروف وأسباب عدم تقيدها بمحل تنفيذ القرار 204 لسنة 1981 المشار إليه ولم تقدم أي دفاع ٍ موضوعي ٍ يبرر مسلكها في هذا الشأن".  


(2)


            أ‌- وحسبما جرى عليه قضاء مجلس الدولة لا تقوم مسئولية الجهة الإدارية كأصلٍ عام على أساس تبعة المخاطر التي بمقتضاها تقوم المسئولية على ركنين هما الضرر وعلاقة السببية بين نشاط الإدارة والضرر، ذلك أن نصوص قانون مجلس الدولة قاطعة في الدلالة على أنها عالجت المسئولية على أساس قيام الخطأ فحددت أوجه الخطأ في القرار الإداري على النحو المشار إليه (الطعن رقم 1354/38 ق جلسة 15/4/1995).


           ب‌-  وعلى هذا الأساس ُقضِي بأنه إذا كان القرار الإداري سليماً مطابقاً للقانون فلا ُتسأل الإدارة عن نتيجته مهما بلغت جسامة الضرر الذي يلحق الفرد من تنفيذه.  فقد جاء بحيثيات الحكم المشار إليه أنه "لمَّـا كان الثابت مما تقدم أن جهة ا|لإدارة عندما أرجأت إعلان نتيجة امتحان المطعون ضده في دبلوم دار المعلمين الذي أداه سنة 1973 إنما كان ذلك بسبب الشكوى التي ُقدِمَت ضده في هذا الشأن ثم إحالة الأمر إلى النيابة العامة حتى صدر قرارها بحفظ الشكوى سنة 1975 فتم الإعلان عن نتيجته وتعيينه في ذات الوقت بمديرية التعليم بمحافظة الجيزة، وهذا الإجراء لا يشكل خطأً من جانب الجهة الإدارية، إذ أنه ما كان يجوز للجهة الإدارية إعلان نتيجة المطعون ضده في امتحان الدبلوم قبل الوقوف على حقيقة التهمة المسندة إليه بناءً على الشكوى التي ُقدِمَت ضده وذلك بإحالة الأمر لجهة التحقيق المختصة وهي النيابة العامة التي باشرت التحقيق، والجهة الإدارية لا تملك أن تضع مدة ً للانتهاء من التحقيق حيث لا توجد لها سلطة على النيابة العامة التي تعتبر جزءاً من السلطة القضائية المستقلة عن سلطة الجهات التنفيذية بالدولة والتي يمثلها في الطعن الماثل الطاعن بصفته وبالتالي يكون قرار إرجاء إعلان نتيجة امتحان المطعون ضده في دبلوم دار المعلمين صدر مشروعاً وقائماً على السبب المبرر لصدوره بما لا تُسأل معه الإدارة عن أية أضرار يمكن أن يسببها هذا الإرجاء إذ أنه لا مندوحة من أن يتحمل الأفراد الأضرار الناتجة عن نشاط الإدارة المشروع أي المطابق للقانون ولا يغير من ذلك أيضاً انتهاء تصرف النيابة العامة  إلى سلامة موقف المطعون ضده وبراءته من الاتهامات  المنسوبة إليه إذ لا يجوز مساءلة الجهة الإدارية عن تصرفاتها في مجال الكشف عن الأعمال غير المشروعة التي تقع من الأفراد وإلاّ أدى ذلك إلى تحمل الجهة الإدارية المسئولية كاملة عن قرارات الإحالة إلى النيابة العامة والتي يثبت بعد إجرائها براءة مَن نُسِب إليهم ارتكابها، الأمر الذي يغل يدها عن اتخاذ مثل هذه القرارات أو التصرفات.  وبناءً على ما تقدم، فإن ركن الخطأ يكون منتفياً في جانب الجهة الإدارية عن قرارها بإرجاء إعلان نتيجة المطعون ضده في دبلوم المعلمين من عام 1973 حتى عام 1975 استناداً إلى سلامة الإجراءات التي اتخذتها حيال الواقعة المسببة لهذا الإجراء وذلك بإحالة الشكوى المقدمة في هذا الشأن إلى النيابة العامة لإجراء  التحقيقات اللازمة وبيان مدى صحتها من عدمه.  وعلى فرض أن ثمة ضررٍ مادي حاق بالمطعون ضده، فإن ذلك لم ينشأ عن خطأ الجهة الإدارية على النحو السابق ذكره ولكنه ضررٌ نشأ عن فعل الغير وهو مُقـَدِم الشكوى في الطعن الماثل، فمن الطبيعي أن يتعرض أي فردٍ لمثل هذه الشكاوى والاتهامات التي لابد من التحقيق فيها خاصة ً إذا كانت تشكل شبهة أي عمل يقع تحت طائلة قانون العقوبات".



  1. ودون المساس بالمبادئ العامة سالفة البيان، فإنه توجد حالات تقررت فيها المسئولية على أساس المخاطر بنص القانون، ومن ذلك المسئولية عن الأضرار في المجال العسكري بالنسبة للمخاطبين بقانون التقاعد والتأمين لأفراد القوات المسلحة طبقاً للقانون رقم 90 لسنة 1975المنظم للتقاعد والتأمين والمعاشات حيث أجاز صرف معاش تأمينى عن حالات العجز الكلي أو الجزئي الناشئ عن العمليات العسكرية أو عن الخدمة العسكرية بصفة عامة  بوصف ذلك من أنواع النشاط الخطرة بطبيعتها وتتطلب رفع عبء إثبات الخطأ عن كاهل العسكريين المصابين بسبب أو أثناء الخدمة أو بهما معاً، فإن القانون المذكور فـَرَّق بين حالات الإصابة بسبب الخدمة وبين الإصابة الناتجة عن العمليات العسكرية من ناحيةٍ أخرى حيث تختص الحالة الأخيرة بقواعد أكثر سخاءٍ في التعويض.

والحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2165لسنة 44 ق بجلسة 21/4/2001 أتى بمفهوم جديد وجميل لعبارة بسبب العمليات الحربية التي وردت في قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادرة بالقانون رقم 90  لسنة 1975.


وتخلص وقائع هذا الحكم في أن أحد المجندين بالقوات المسلحة أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري بطلب اعتبار خدمته قد انتهت بالقوات المسلحة لعدم اللياقة الطبية أثناء الخدمة وبسبب العمليات الحربية حيث كان يخدم بالقوات المسلحة كمجند وشارك مع القوات المصرية التي سافرت إلى المملكة العربية السعودية لتحرير دولة الكويت وقد أصيب بمرض ٍ تمّ تشخيصه بمعرفة القومسيون الطبي على أنه درن رئوي مزدوج بنسبةِ عجزٍ جزئي قدره 20% وأن خدمته انتهت بالقوات المسلحة لعدم اللياقة الطبية أثناء وبسبب الخدمة وليس بسبب العمليات الحربية حيث سيحصل في هذه الحالة على تعويضاتٍ أكبر.  وقد انتهت محكمة القضاء الإداري عند نظر الدعوى  إلى رفضها لأن إصابته كانت بسبب البرد والدخان الذي تولد عن احتراق آبار البترول بدولة الكويت وكثرة تلوث الجو وأنه أي المدعي لم يذكر في التحقيق الذي أجري معه أن إصابته كانت بسبب العمليات العسكرية ولم يقدم أي دليل يفيد ذلك وانتهت إلى حكمها السالف.


وعند نظر الطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ذهبت إلى أن عبارة بسبب العمليات العسكرية الواردة في القانون رقم 90 لسنة 1975 ولا تقتصر في حكم صحيح التفسير استهداءً بمقصود المشرع  الوطني في إطار من الأحكام العامة المُلزِمة والتي تمثل تراثاً عاماً للإنسانية والتي من شأنها، فيما نحن بصدده، تقرير حقوقٍ للجندي المقاتل تقابل ما تقرر من التزامات تقيد تصرفات الدول المتحاربة في إدارة عملياتهـا العسكرية وأيضاً في ضوء المتغيرات  في الأساليب والأدوات الناتجة عن تطور الآلة الحربية، ولا يقتصر وحسب على تلك الإصابة المباشرة بطلق أو شظية أو انفجار لغم، وإنما يشمل أيضاً الأضرار الناتجة عن استعمال الأساليب المخالفة لقوانين وأعراف الحرب، على نحو ما هو منصوصٌ عليه أساساً باتفاقيات لاهاي لسنة 1907 وبغيرها من المعاهدات التي تحظر استعمال المواد الكيماوية أو السامة أو التي تلحق أضراراً لا تتناسب مطلقاً مع الضرورات العسكرية على نحو ما هو منصوصٌ عليه، على سبيل المثال، باتفاقية سنة 1948 التي تحظر الإبادة الجماعية أو إبادة الجنس، والتي تعتبر أحكامها داخلة ً في نسيج القانون الدولي العام سواء أوقعت عليها الدولة أم لم توقع حسبما (أوضحته محكمة العدل الدولية برأيها الاستشاري الصادر في 28 من مايو لسنة 1951، وذلك فضلاً عن أحكامٍ قانون "جنيف" الذي أرسى مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تورد   قيوداً على استعمالات الآلة العسكرية وبالأخص إذا تداعت آثارها على المدنيين، وهو القانون الذي بدأ اتفاقيا مصدره المعاهدات المعقودة في 12 من أغسطس سنة 1949 ثم أصبح داخلاً في نسيج القواعد العامة الآمرة التي يتعين أن ينزل على حكمها الكافة ويصدق هذا أيضاً على الأحكام الواردة بالبروتوكولين الإضافيين لتلك المعاهدات والموقـَعـَين بجنيف سنة 1977، فإذا كان ذلك وكان من العلم أن تفجير آبار البترول الكويتية إنما تمّ في إطارٍ من عملياتٍ حربية، فأي ما يكون مدى مشروعيتها، فإن ما سببه ذلك من أضرارٍ على الجنود الموجودين بمسرح العمليات مما يتحقق به ويتكامل المركز القانوني لم يصاب من أفراد تلك القوات بسبب العمليات الحربية، وبالترتيب على ما سبق وإذ  قضى الحكم الطعين بغير ذلك ، يكون قد أخطأ السبيل وتنكب صحيح تفسير وتطبيق القانون.


ويرى المستشار الدكتور/ محمد ماهر أبو العينين في تعليق له على هذا الحكم (مجلة مجلس الدولة السنة 29 ص 250) أن هذا القضاء يمثل تطويراً لمبدأ المسئولية على أساس المخاطر على نحو سيؤدي بإذن الله إلى أن يستقر هذا القضاء في أحكام محاكم  مجلس الدولة على نحو يرفع عن كثير من المتضررين من جرَّاء سير المرافق العامة عبء إثبات وجود خطأ من الجهة الإدارية يستحق بموجبه التعويض حيث سيؤدي النظر الطبيعي للرقابة القضائية إلى تأكيد هذا المبدأ دون أن يستند التطبيق إلى نص ٍقانوني.  ومما هو جديرٌ بالذكر أن المحكمة الإدارية العليا قد أجازت الجمع بين التعويض المنصوص عليه في القانون رقم 90 لسنة 1975 والتعويض على أساس المسئولية التقصيرية لجهة الإدارة إذا ثبت ذلك، وعلى سبيل المثال تحديد نسبة عجز للمدعي مقدارها 33% نتيجة الإصابة أثناء وبسبب الخدمة تجيز له الحصول على تعويض بمبلغ ثلاثين ألف جنيه نتيجة ثبوت أن هذا العجز بسبب خطأ الجهة الإدارية مع قيام المدعي بصرف المعاش المقرر للإصابة المذكورة. (الطعن رقم 8700 لسنة44 ق جلسة 26/5/2002).


ثانياً: المبادئ القانونية الحاكمة لتقدير التعويض عن القرار الإداري غير... المشروع


  المتتبع للأحكام القضائية يمكن له أن يظهر أن هناك مبادئ قانونية كشفت عنها المنازعات المعروضة على القضاء في تقرير الأحقية في التعويض من عدمه من ناحية المبدأ، ثم في تقدير التعويض.  ونعرض لهذه المبادئ على النحو التالي:


1. هل يجوز طلب التعويض عن القرار الإداري الخاطئ فقط أم عما ترتب عليه من آثارٍ أيضاً؟


ففي تعليق على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2474لسنة  24 ق بجلسة 5/5/2001 المنشور في مجلة مجلس الدولة (العدد سالف البيان ص. 255) أوضح المستشار الدكتور ماهر أبو العينين أن ذلك الحكم أتى  بمبدأ جديد وهام في هذا الخصوص حيث أقام المدعي دعواه أمام محكمة القضاء الإداري بطلب تعويض عن الأضرار المادية والأدبية من جرَّاء قرار اعتقاله وقضت له المحكمة بتعويض عن هذا القرار، ثم أقام دعوى بطلب تعويض عن الأضرار الأدبية التي أصابته من جرَّاء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية في الترشيح والانتخاب الناتج عن قرار الاعتقال سالف البيان، وقد استجابت له محكمة القضاء الإداري أيضاً وقامت الجهة الإدارية بالطعن على هذا الحكم الأخير أمام المحكمة الإدارية العليا واستندت لسبق حصول المدعي على تعويض عن قرار اعتقاله فلا يجوز تكرار صرف التعويض له عن فعل واحد غير مشروع فذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن :-


"من حيث أن قرار الاعتقال الذي كان قد صدر في شأن المطعون ضده إنما تطاول مساساً بحريتين وانتقاصاً من حقين دستوريين يتساميان قدراً، باعتبارهما من الحريات والحقوق الدستورية العامة وإن تمايزا واستقل كلٌ منهما أحكاماً وتنظيماً.  بيان ذلك أن قرار الاعتقال يرتب واقعاً مادياً يتحصل في تقييد حرية المواطن،ً فإذا ثبت عدم مشروعية القرار أصبح القرار متصادماً مع أصل المبدأ المقرر بالمادتين (41) و(50) من الدستور الذي يفيد بأن الحرية الشخصية حقٌ طبيعي فلا يجوز تقييد حرية المواطن أو منعه من التنقل أو إلزامه بالإقامة في مكان معين إلا بالشروط والأوضاع والضوابط المقررة بهاتين المادتين.  كما أن قرار الاعتقال، سواء باعتباره واقعة مادية أو بحسبانه يحدد مركزاً قانونياً للشخص المعني، قد يرتب بالإضافة إلى ما سبق، مساساً وافتئاتاً على حق ٍ دستوري آخر يتمثل في حق الاشتراك والإسهام في الحياة العامة سواء بممارسة حقوق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء أو الاشتراك في تأسيس أو الانضمام إلى الأحزاب السياسية، وغير ذلك من الحقوق الدستورية المترتبة على هذا الجنس من الحقوق التي تتحصل في حرية الرأي والتعبير والإسهام في الحياة العامة على نحو ما تنظمه - أساساً – أحكام المواد (5) و(47) و(62) من الدستور.  وكلٌ من الحقين الدستوريين اللذين تطاول عليهما القرار غير المشروع بالاعتقال يقتضي تعويضاً منفرداً لاختلاف حقيقة طبيعة الأضرار المترتبة على التعدي على كلٍ منهما.


 


         ومن حيث أنه بالترتيب على ما سبق فإنه لا يكون صحيحاً دفع المنازعة الماثلة بقوة الشيء المقضي على سند من أن المطعون ضده قد عُـوِّض في الدعوى رقم 565 لسنة 38 القضائية عن الأضرار التي استند إليها من جرَّاء صدور قرار اعتقاله وذلك أن البيِّن من الحكم الصادر في الدعوى المشار إليها أن الضرر الناشئ عن حرمان المطعون ضده من مباشرة الحقوق السياسية لم يُقض فيه، ولم يدخل في حساب المحكمة عند تقدير التعويض في الحكم الذي أصدرته، فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل، وقد قضي للمطعون ضده بتعويض ٍ مقداره ألف جنيه عن الضرر الأدبي الناشئ عن حرمانه من مباشرة الحقوق السياسية وهو ما  يعد من الحقوق العلى التي تلتحم في شخص المواطن، فيكون المساس بها أو الانتقاص منها ، دون سندٍ، مما يستوي واستقطاع صفةٍ والمساس بمركز يكسبه المواطن بحق المواطنة، وتكون حمايته ورعايته وصونه من أولى ما يلزم قاضي المشروعية بشموله برقابته واختصاصه بالذود عنه إذا ما بدرت بادرة مساس ٍ به أو انتقاص ٍ منه دون سندٍ من صحيح حكم التشريع، وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه من تعويض   ترى هذه المحكمة أنه يَجبُر كافة الأضرار التي لحقت بالمطعون ضده عن حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية ويكون الطعن عليها خليقاً بالرفض".


  وهذا الحكم يفتح المجال واسعاً لإمكان أن يتعدد التعويض حتى ولو كان الخطأ واحداً وذلك بتعدد وتنوع الأضرار التي أصابت المتعامل مع الجهة الإدارية وهو في صورةٍ أخرى امتداداً للاتجاه السابق الذي أشرنا إليه من إمكان تعدد دعاوى التعويض عن إجراء إداري واحد.



  1. 2.       صدور قرار إداري استناداً إلى قانون و  قضي بعدم دستوريته يصلح سبباً للتعويض:

على الرغم من صدور القرار الإداري في الحالة المعروضة استناداً إلى حكم القانون الساري وقت صدوره، إلاّ أن الحكم لاحقاً بعدم دستورية هذا القانون من شأنه أن يجعل القرار الإداري الصادر استناداً إليه غير مشروع ومعيب بأحد العيوب التي تبرر قيام ركن الخطأ.


فقد قضت المحكمة الإدارية العليــا (في الطعنين رقمي 3373 و3437لسنة 36ق بجلسة 10/1/2004) بأنه لا وجه لِما ذهبت إليه الجهة الإدارية الطاعنة من القول بانتفاء ركن الخطأ في جانب الإدارة بدعوى أن القرارين المطعون فيهما قد صدرا مشروعين في ظل العمل بأحكام المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي وأن العِبرة عند بحث مشروعية القرار الإداري بوقت صدوره لا بما يطرأ عليه بعد ذلك، وذلك على النحو الوارد بتقرير طعنها رقم 3437 لسنة 36 ق. عليا ذلك أن واقعاً قانونياً قد تـَكشـَـفَ منشؤه وقوامه الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 56 لسنة 6 ق. دستورية بجلسة  21/6/1986 ويقضي بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي – والتي كانت تقضي بأنه لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية-  لكل من اشترك في قيادة الأحزاب أو إدارتها وذلك قبل 23 يوليو سنة 1952 ماعدا الحزب الوطني والحزب الاشتراكي، ومتى كان ذلك وكان الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة وليست منشئة إذ هي لا تستحدث جديداً ولا تُنشئ  مراكز أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل، بل أنها تكشف عن حكم الدستور أو القانون الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة ً حتمية ً لطبيعته الكاشفة، فضلاً عن أن نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ،  قضى بعدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر الحكم بعدم الدستورية في الجريدة الرسمية، ومن ثمَّ بات متعيناً على قاضي الموضوع  – إعمالاً لهذا النص- ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعة المطروحة عليه.


ومن حيث أنه بالترتيب على ما نشأ من واقع ٍ قانوني كشف عنه حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه يكون القراران المطعون فيهما الصادران من المدعي العام الاشتراكي بتاريخ 12/6/1978 بحرمان مورثي الطاعنين في الطعن رقم 3373 لسنة 36 ق. عليا  من الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية تطبيقاً لنص المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 سالف الذكر – وهما القراران موضوع النزاع الماثل – قد افتقدا السند القانوني الذي مصدره نص تشريعي قضى بعدم دستوريته مما يَصِم هذين القرارين بعدم المشروعية الأمر الذي يتحقق به ركن الخطأ في المسئولية الإدارية الذي يستوجب مسئولية جهة الإدارة عن تعويض الضرر المترتب عنهما.


3.       التعويض عن القرار السلبي غير المشروع لا يؤخذ في تقديره بالمدة التي امتنع فيها المضرور عن ممارسة الحق الناشئ له بموجب القرار السلبي دون سبب.


ففي الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 8208لسنة 45 ق بجلسة 24/4/2004 أوضحت المحكمة وهي بسبيلها في تقدير التعويض أن ثمة مساهمةٍ من المطعون ضده في الأضرار التي لحقت به بتراخيه عن القيام بأعمال البناء أكثر من مرةٍ رغم ما أتاحه له القانون والقضاء لتنفيذ أعمال التعلية على العقار ملكه.  وجاء بالحكم:


      ومن حيث أنه عن ركن الضرر، فإنه ولئن كان الحكم المطعون فيه قد خلص بسندٍ صحيح ٍ إلى أن ثمة أضرار ٍ ماديةٍ أصابت المطعون ضده تتمثل في حرمانه من استغلال مِلكه وتأخير إقامة الأعمال المطلوب الترخيص بها اعتباراً من 3/9/1994 حتى تاريخ الحكم بوقف التنفيذ بجلسة 26/12/1996 في الوقت الذي ترتفع فيه تكاليف البناء باستمرار ، وهي الأضرار التي قـَدَرت المحكمة أن التعويض المناسب لها عشرة آلاف جنيه، إلا  أنه هذه المحكمة وهي في مجال مراقبة مدى سلامة الحكم المطعون فيه تشير إلى أنه ولئن كان الحكم المطعون فيه اكتفى بسرد الأسباب الرئيسية التي أقام عليها قضاءه بالتعويض إلا أنه يعن لمحكمة  الطعن أن تتعرض لإيضاح بعض الأسباب الأخرى التي يحمل عليها الحكم المطعون فيه في قضائه السابق مع الرد  على ما جاء بتقرير الطعن.


  ومن حيث أن الثابت من مطالعة مذكرة دفاع المطعون ضده المُـقـدَمة  أمام محكمة الدرجة الأولى بجلسة 23/2/1998 أنه حدد عناصر التعويض فيما أصابه من أضرار ٍ تتمثل في ارتفاع قيمة أسعار مواد البناء منذ التاريخ المفترض إصدار الترخيص فيه 11/11/1994 وحتى تاريخ تسليمه الفعلي إياه وحيث أنه وحتى تاريخ تقديم المذكرة المنوه عنها لم يتسلم الترخيص، أي مضى ما يقارب أربع سنوات فضلاً عن أنه حُرِم من استغلال مِلكـَه وتأخر تلك المدة في إقامة البناء المطلوب الترخيص به، والبادي من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتد بصفةٍ عامةٍ بعناصر التعويض التي عرضها المطعون ضده وإن لم يوافق المطعون ضده في طلبه بالتعويض عن المدة من عام 1994 حتى عام 1998، وقرر أن المدة التي يستحق عنها المذكور التعويض تنتهي بصدور الحكم في الشِق العاجل من دعواه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بجلسة 26/12/1996 على ما وَرَدَ بالأسباب، وهو الأمر الذي يكشف عن أن الحكم المطعون فيه قد أخذ في اعتباره أن المطعون ضده شارك في زيادة الأضرار التي لحقت به بتقاعسه عن استخدام المكنات التي خـَـوَّلها له القانون لاستخدام حقه في البناء وتراخى عنها مرتكناً إلى انتظار صدور حكم نهائي في موضوع الدعوى، على اعتبار أن الثابت من الحكم المطعون فيه أن قرينة الترخيص الضمين التي نشأت للمطعون ضده بانقضاء الستين يوماً التالية لتقديم طلبه تنتهي في 12/11/1994، وهو الأمر الذي يُـخـَــوِّل للمذكور الشروع في إقامة الأعمال محل ترخيص التعلية محل المنازعة طبقاً لِما ينعي عليه حكم القانون صراحة ً في هذا الشأن، إلا أن المذكور تقاعس عن البناء بالإجراءات والشروط التي تطلبها القانون في هذه الحالة، ثم بعد إقامته لدعواه رقم 1377لسنة 50 ق وطلبه الحماية العاجلة بطلب وقف تنفيذ القرار السلبي المطعون فيه واستجابة المحكمة لهذا الطلب بجلسة 26/12/1996 وصيرورة هذا الحكم نهائياً بعدم الطعن عليه، إلا أن المطعون ضده تراخى أيضاً في اتخاذ إجراءات تنفيذ الحكم العاجل والشروع في البناء، الأمر الذي يُظهـِـر بجلاء أن ثمة مساهمةٍ من المطعون ضده في الأضرار التي لحقت به بتراخيه عن القيام بأعمال البناء أكثر من مرةٍ رغم ما أتاحه له القانون والقضاء لتحقيق ما يهدف إليه، ومن ثمَّ فقد أصاب الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم الاعتداد بكامل المدة التي لم يحصل فيها المطعون ضده على ترخيص البناء محل المنازعة، وجعل تعويضه مقصوراً على المدة التي تنتهي بصدور الحكم العاجل في الدعوى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه (في تطبيق المبدأ سالف البيان يُراجع الطعنان رقما 2706، 3265 لسنة 45 ق جلسة 16/11/2001).


4.   جواز التعويض عن الأضرار الأدبية والنفسية التي يسببها القرار الإداري غير المشروع:   


      فقد قضت المحكمة الإدارية العليا في الطعن 1491لسنة44 ق بجلسة 10/1/2004 بأن: "  القرار الإداري بإجراء الندب هو الأداة القانونية التي تصل من يجري ندبه بالعمل الذي يصير إليه الندب وبغير التحديد في هذه الأداء للمدة والعمل معاً لا تتبين حقوق العمل ومركزه القانوني، كما أن عدم التحديد للوظيفة من شأنه أن يفضي إلى تجهيل المسئولية وشيوعها إذا ما قام نزاع حول الإخلال بمقتضيات الوظيفة المشغولة بالندب وفي ذلك بلا ريب هدرٌ للمصلحة العامة وليس حرصاً على مقتضيات تحقيقها كما سلف الذكر، ولمـَّا كان قرار الندب محل التداعي على الحال المتقدم ذكره فإنه يكون مخالفاً لأحكام القانون المتقدم ذكرها ويقوم به تبعاً لذلك ركن الخطأ في جانب  الجهة الإدارية في هذا الصدد، وأن المطعون ضده لحقت به من جرَّاء هذا الخطأ أضراراً أدبية ومعنوية ونفسية تتمثل في معاناته النفسية وشعوره بالظلم والمهانة والخذلان في المجالين الأسري والاجتماعي ووسط أقرانه في محيط العمل بعد أن أفضي به حال الندب من عمله المحدد إلى اللا تحديد لعمل له إضافة ً إلى شعوره بمصير وظيفي مجهول المدة ومجهول العمل صار إليه حاله بالندب، الأمر الذي توافرت معه أركان المسئولية الموجـِبة للالتزام بالتعويض من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما في جانب الإدارة، وإذ قضى بذلك الحكم المطعون فيه وُقــدِّر للمطعون ضده مبلغ ألفي جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية التي قصر دعواه على المطالبة بالتعويض عنها، وقد جاء هذا التعويض عن الضرر الأدبى  ليس فيه بخس ولا رهق.....".


5 - يلزم أن يؤخذ فى الاعتبار عند تقدير قيمة التعويض بالخطأ المشترك :-


ففى دعوى تخلُص وقائعها أن مصلحة الجمارك أصدرت قراراً بالتحفظ على صندل نهرى مملوك للمدعى ، و قد قُضِى لاحقاً بإلغاء قرار التحفظ ، واستناداً إلى تقرير خبير  قضت المحكمة بمسئولية المصلحة عن تعويض المدعى عما  أصاب الصندل من أضرار بمبلغ 150.000 جنيه  تقريباً. غير أن المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 6886 لسنة 45 ق بجلسة 1/1/2005 استظهرت الخطأ المشترك و أن الأضرار التى لحقت بالصندل كان للمدعى يد فيها ، لذلك  لم تعتد بتقرير الخبير و ما قضت به محكمة القضاء الإدارى وجاء بالحكم :-


" الثابت من مطالعة تقرير الخبير أنه قام بمعاينة الصندل موضوع الدعوى يوم 6/2/1996 بمقر الشركة بالنوبارية التى تم التحفظ على الصندل فيها . و قد أثبت الخبير حالة الصندل المتردية فى ذلك التاريخ وقدر تكاليف إصلاحه مبلغ (106) آلاف جنيهاً تقريباً ، و ذلك دون أن يبين من التقرير أن حالة الصندل وقت التحفظ عليه كانت تحت نظر الخبير ، و ذلك على الرغم من أنها تشكل عنصراً هاماً وحاسماً فى تقدير حجم الأضرار التى لحقت بالصندل فى الفترة التالية لتاريخ التحفظ عليه وهى الفترة التى يمكن أن تكون فيها مسئولية الجهة الإدارية .


فالثابت من محاضر أعمال اللجنة المكلفة بمعاينة الصندل موضوع الدعوى     و التحفظ عليه و التى باشرت أعمالها فى خلال المدة من 30/7/1991 و حتى 7/8/1991 ( حافظة المستندات المقدمة من هيئة قضايا الدولة بجلسة 16/12/2002 ) و من خلال أقوال المسئولين بالشركة المذكورة أن المطعون ضده كان قد أحضر الصندل للشركة منذ حوالى أربعة أشهر تقريباً لإجراء عمرة له إلا أنه لم  يتم الاتفاق على أجر التصنيع حتى 31/7/1991 . و الثابت أن قيمة الصندل المتحفظ عليه بالشركة وفقاً لأسعار السوق فى التاريخ المذكور خمسة آلاف جنيهاً تقريبا ، و أن حالة الصندل عند وروده للشركة لا تسمح له بالعمل إلا بعد عمل صبة خرسانية بالقاع. و الثابت كذلك أن قيمة الصندل وقت تشييده عام 1984 ثلاثة آلاف جنيهاً مصنعية بخلاف الحديد والخامات التى أحضرها المطعون ضده ، وقد تبين للجنة أن الصندل خردة و متآكل و به ثقوب و بداخله ماء يسبح فيه السمك ، و أن الكورنة بها ثقوب من الصدأ و بها هشة متآكلة و أن الصندل شحط على الرمال .


والبادى مما سلف أن الحالة المتردية للصندل موضوع الدعوى لم تكن وليدة التحفظ بصورة كاملة ، إذ أن الصندل كانت به عيوب كثيرة مما حدا باللجنة إلى وصفه أنه خردة ، كما أنه لم يكن صالحاً للاستخدام بدليل أن المطعون ضده كان قد تركه بالشركة لعمل عمرة له ، فإذا ما أضيف إلى ذلك أن قيمة الصندل وقت معاينة اللجنة فى شهر يوليو 1991 لم تكن تتعدى خمسة آلاف جنيه ،  و أن تكاليف تشييده عام 1984 ثلاثة آلاف جنيه بخلاف الحديد والخامات ،  فإنه لا يكون ثمة شك فى أن الخبير و محكمة أول درجة قد أفرطا فى تقدير التعويض المستحق للمطعون ضده بدرجة لا تتناسب مع الأضرار التى لحقت بالصندل فى خلال المدة التالية لتاريخ التحفظ عليه . و لا مراء فى أن تنفيذ الخبير للمأمورية المنتدب للقيام بها قد شابه القصور ، إذ أنه تقاعس عن الإلمام بكافة العناصر الواقعية المنتجة فى تقدير التعويض و قد كشف عن ذلك عدم انتقاله للجهة الإدارية للإطلاع على ملف  الموضوع وفقاً للسلطة المقررة له فى هذا الشأن حسبما جاء بالحكم الصادر بتكليفه بالمأمورية واكتفى بإثبات تخلف الجهة الإدارية عن المثول أمامه رغم إخطاره لها . و من ناحية أخرى فقد ساهم المطعون ضده فى تفاقم حالة الصندل السيئة بسبب تركه للصندل بالشركة لمدة أربعة أشهر سابقة على يوليو 1991 دون الاتفاق مع الشركة على تكاليف إصلاح الصندل وإجراء العمرة له ، وهو الأمر الذى كان من شأنه لو أن المطعون ضده قام به أن يجعل الصندل محتفظاً بحالته إلى حد كبير فى أثناء فترة التحفظ عليه .


و من حيث أنه بالإضافة إلى ما تقدم ، فقد جانب الحكم المطعون فيه الصواب إذ أضاف مبلغ 20000 جنيه  إلى المبلغ الذى قدره الخبير فى تقديره لإعادة الصندل لحالته على سند من أن ذلك يمثل تعويضاً من جراء عدم الانتفاع بالقيمة الإيجارية اليومية للصندل . فذلك المبلغ يُعد تعويضاً عن أضرار احتمالية مما لا يجوز قانوناً أن يعتد به فى مجال تقدير التعويض خاصةً و أن الصندل كان غير صالح للاستخدام  منذ أن قام المطعون ضده بتركه فى الشركة لعمل عمرة له  حسبما سلف البيان .


و من حيث أنه بالبناء على ما تقدم فإن التعويض الذى يجبر للمطعون ضده كافة ما لحقه من أضرار تقدره المحكمة بخمسة عشر ألف جنيه .