تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

إبراهيم محمد إبراهيم الحديثي

Professor

أستاذ القانون الإداري والدستوري

كلية الحقوق والعلوم السياسية
كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون العام، مكتب رقم 2 أ \ 248
صفحة

بحوث : أحكام دعوى التعويض في القانون السوداني. د. وهبي محمد







 







برنامج

"القضــاء الإداري"

(الإلغاء والتعويض)

 


11 - 22/10/1429 هـ الموافق 11-22/10/2008  


المملكة العربية السعودية


 

 

 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 

 







أحكام دعوى التعويض


في القانون الإداري السوداني


 


 







المستشار الدكتور/ وهبي محمد مختـار

نائب رئيس القضاء


السودان


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


مقدمة:


بتوالي نشاط الإدارة ولجوئها إلي استخدام وسائل السلطة العامة في تصرفاتها القانونية والمادية فإنها تتعرض لحريات الأفراد وتمس مراكزهم القانونية وقد تلحق بهم وبأموالهم وممتلكاتهم الضرر الأمر الذي يتطلب وجود ضمانات للأفراد في مواجهة الإدارة العامة أو على الأقل ضرورة خضوعها بصفة عامة لأحكام القانون في كل ما تقوم به من أعمال أو تستخدمه من وسائل وامتيازات.[1]


ولعل أهم هذه الضمانات هي قيام الإدارة بعملها في حدود القانون وهو ما يعرف بمبدأ المشروعية.


ويقضي مبدأ المشروعية أن تأتي تصرفات وأعمال الإدارة وفق القانون أي بسند وأساس من القانون. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك، فالنشاط الإداري بتنوعه وتطوره أصبح من العسير وضع نصوص قانونية سابقة تسير عليه كما أن الإدارة ملزمة في معظم الحالات باتخاذ قرارات فردية لتحقيق أهداف الصالح العام، وهذه القرارات من الصعب إن لم يكن من المستحيل وضع ضوابط قانونية مسبقة لها.


لهذا اتجهت الحاجة إلي إيجاد وسيلة لمراقبة أعمال الإدارة وتصرفاتها دون الحد منها وللتأكد من توافقها مع القانون، واتفقت معظم النظم القانونية على إسناد هذه الرقابة للقضاء الذي أدى دوراً فاعلاً في إضفاء رقابة المشروعية على أعمال السلطة الإدارية بما يحقق التوازن بين الصالح العام وحماية حقوق وحريات أفراد المجتمع.


إن الدور الذي يقوم به القاضي الإداري في دعم وتعزيز مبدأ المشروعية استمد فعاليته من الفهم الصحيح لسلطة القاضي الإداري في الرقابة على مبدأ المشروعية تلك السلطة التي تقف عند حدود ومتطلبات الرقابة وفي ذات الوقت تُملِّك القاضي الإداري وسائل إيجابية تسمح له بإضفاء هذه الرقابة بفاعلية غير مألوفة للقاضي المدني، فالقاضي الإداري ليس مفروضاً عليه العلم بالقاعدة القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع التي يستبينها فقط بل المفروض أيضاً أن يبادر إلي تطبيق صحيح القانون حسبما يحكمه مبدأ المشروعية.[2]


للقاضي الإداري – والحال كذلك – دور إيجابي فعّال في تحقيق مبدأ الرقابة على أعمال السلطة الإدارية في القانون السوداني إلا أن هذا الدور ظل محصوراً في إطار دعوى إلغاء القرارات الإدارية وهي الدعوى التي ينظمها قانون القضاء الإداري السوداني لسنة 2005م، وتبعاً لذلك تقيد اختصاص القضاء الإداري في السودان بوجود قرار إداري معيب وانحصر دور المحاكم الإدارية في طلب إلغاء القرار الإداري المعيب أو التعويض عن الضرر الناتج من هذا القرار المعيب..


أما عن دعوى التعويض عن الضرر الناتج من نشاط الإدارة دون القرارات الإدارية فإن موقف القانون السوداني فيها واضح وجلي فالإدارة مسؤولة عن جبر الضرر الناتج من نشاطها ولكن وفوق قواعد القانون العام والمختص بنظر الدعوى هو القضاء العادي وليس القضاء الإداري.


وسنتابع – بإذن الله – منهج القانون السوداني في شأن قضاء التعويض وفق محاور هذا البحث.


المحـــور الأول


موقف القضاء الإداري السوداني من دعوى التعويض:


يرتبط اختصاص القضاء الإداري ارتباطاً وثيقاً بمبدأ الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، وهذا الارتباط لابد أن يكون له دواعيه، فالقانون السوداني وهو يتبع نظام القضاء الموحد لم يكن يعرف القضاء الإداري كما هو متبع في الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج.


في هذا التاريخ تكونت خصائص معينة للقانون السوداني فيما يتعلق بقواعد المسئولية الإدارية نذكر منها:-


1.   في غياب القانون الإداري لجأ القاضي السوداني في قضايا التعويض الناجم عن نشاط الإدارة لجأ إلي قواعد القانون المدني Law Of Tort ومن أول القضايا التي تعرضت إلي ذلك هي قضية حكومة السودان /ضد/ عياد إبراهيم[3] وفيها قرر القاضي " إن الطعن في القرارات الإدارية تخضع لنفس القواعد العامة لرفع ونظر الدعوى المدنية والتجارية العادية"... صحيح أن النزاع كان في هذه القضية حول قرار إداري ولكن هذا القضاء يمثل اتجاه القانون السوداني فيما يتعلق بالدعاوى الإدارية بصفة عامة وإن نجح القانون السوداني لاحقاً في الفصل بين الطعن الإداري ودعاوى التعويض عن نشاط الإدارة على نحو ما سنرى....


2.  في تطور لافت نجح القضاء السوداني في وضع مباديء قانونية راسخة ساعدت في دعم وتعزيز مبدأ المشروعية بأحكام مستمدة من طبيعة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة مستعيناً في ذلك بالفقه والقضاء المقارن.. ولكن ما يجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن هذا التطور القضائي ظل منحصراً في إطار الطعن في القرارات الإدارية بعيداً عن دعوى المسئولية الإدارية والتي يختص بنظرها القضاء المدني... وقد وضعت المحكمة العليا في حكم حديث لها هذا المبدأ موضع التطبيق بتقريرها أن اختصاص المحكمة الإدارية يرتبط وجوداً وعدماً بوجود قرار إداري معيب – م ع/مراجعة/2/2005م.


أما في السابقة: م ع/مراجعة/58/2006م فقد توغلت المحكمة العليا قليلاً في الفقه الإداري وغرفت الدعوى الإدارية بأنها الوسيلة التي تحرك اختصاص القضاء الإداري لنظر المنازعة الإدارية أمامه وإصدار حكم قابل للتنفيذ..


وذهبت المحكمة العليا في حكمها إلي تأكيد ما استقر عليه من مبدأ يتمثل في أن تحريك اختصاص القضاء الإداري في السودان مرتبط بالقرار الإداري فلا دعوى إدارية أمام قاضٍ إداري بدون قرار صادر من الإدارة ومطعون فيه... وتوصلت  المحكمة في النهاية إلي أ نه طالما كان طلب التعويض مرتبطاً بالقرار الإداري فإن المحكمة المختصة بنظر التعويض هي المحكمة الإدارية أما إذا لم يكن التعويض مرتبطاً بقرار إداري فالمحكمة المدنية هي المحكمة المختصة بنظر وتحديد مسئولية الإدارة.



  1. لم يتأخر المشرع السوداني كثيراً في تدرج هذا التطور حيث جاء في المادة (12) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م ضمن اختصاصات القضاء الإداري:-

(5) تعويض المضرور عن الضرر الناتج من القرار الإداري.


هذا ما كان من الشق الخاص بالتعويض عن الأضرار الناتجة من القرار الإداري المعيب واختصاص القاضي الإداري في الحكم بالتعويض. أما التعويض عن الضرر الناتج من نشاط الإدارة بعيداً عن القرارات الإدارية، فهذا ما سنتناوله في المحور الثاني.


المحور الثانـــــي


أحكام دعوى التعويض في القانون الإداري السوداني


تثور هذه المسألة في الحالات التي يصاب فيها الأفراد بأضرار نتيجة سير المرافق العامة أو من جراء التصرفات المادية أو القانونية للإدارة أو بسبب إخلال الإدارة بالتزاماتها التعاقدية... وفي هذه الحالة يلجأ المتضرر إلي القضاء مطالباً الإدارة بتعويض ما لحق به من أضرار مادية أو أدبية.


القانون الإداري السوداني وهو قانون حديث النشأة لم يتعرض لدعوى المسئولية عن جبر الضرر إلا في نطاق ضيق وأتاح للمضرور حق اللجوء للقضاء المدني للمطالبة بالتعويض... ويمكن إيجاز أحكام دعوى التعويض في النقاط التالية:


(1)   لا يعرف القانون السوداني من مظاهر الرقابة القضائية على أعمال الإدارة سوى دعوى الإلغاء وهي الدعوى التي توجه فيها الخصومة صوب القرار الإداري المعيب وحتى في الحالات التي يختص فيها القضاء الإداري بنظر دعوى التعويض فإن ذلك يتحقق بارتباط الضرر موضوع التعويض بقرار إداري معيب. ويظهر هذا الاتجاه تماماً في حكم للمحكمة العليا – م ع/مراجعة/30/2005م حيث قررت المحكمة " ألّا اختصاص للمحكمة الإدارية بنظر الطعن في القرار المتقدم إذ إن مناط اختصاص المحكمة الإدارية بالحكم بالتعويض يرتبط بوجود قرار إداري معيب ويترتب عليه ضرر بالطاعن ولا يجوز للمحكمة الإدارية أن تنظر في دعوى تعويض ابتداء دون وجود قرار إداري".


القاعدة إذن عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر دعوى التعويض إلا في الإطار الضيق الذي حددناه...


(2)   حتى في هذا الإطار المحدد وإتباعاً لقواعد القانون العام للمسئولية عالج القانون السوداني مسئولية الإدارة وفق قواعد القانون الخاص Law of Tort وأحكام القانون المدني.


هذه الوسيلة والتي سمحت بالمساواة بين أحكام المسئولية الإدارية والمسئولية وفق القانون المدني رتبت نتائج معينة نذكر منها:-


1.  ضرورة وجود خطأ في جانب الإدارة كشرط لقيام المسئولية الموجبة للتعويض ولكن في غياب نظرية مستقلة للخطأ الإداري بعيداً عن نظرية الخطأ المدني أصبح من العسير تمييز الخطأ الإداري الموجب لمسئولية الإدارة من الخطأ الشخصي الموجب للمسئولية الشخصية للمستخدم. وعلى ذلك فإن نظرية الخطأ بصورتها المدنية لا تصلح كشرط لقيام المسئولية الإدارية لأنها ستقودنا في النهاية للمسئولية الشخصية للمستخدم.


2.  أيضاً أصبح من الضروري وجود الخطأ كأساس لقيام مسئولية الإدارة وفق القانون العام وهذا الاتجاه لا يتفق مع قيام المسئولية الإدارية بدون خطأ وهي النظرية المعروفة في فقه القانون الإداري المقارن والتي تربط المسئولية الإدارية بالعلاقة التي تربط بين المضرور والإدارة في تقديم الخدمة العامة بصورة صحيحة وسليمة للمواطنين وفي حالة عدم تقديمها بهذه الطريقة يكون من حق المضرور إصلاح الضرر الناتج عن ذلك.


هذا النهج وضع صعوبات جمة أمام القضاء السوداني في معالجة قضايا التعويض في مواجهة الإدارة وكمثال لذلك يكفي التعرض لقضيتين شهيرتين في القانون السوداني:


الأولى: قضية ميشيل قطران[4]ووقائعها تتمثل في سقوط السيد قطران داخل مجرى لتصريف مياه الأمطار أعد بواسطة مجلس بلدي الخرطوم وأقام دعوى للمطالبة بالأضرار التي أصابته من جراء وقوعه في المجرى  فضل القاضي كالعادة في قضايا التعويض البحث عن عنصر الخطأ في البينات المقدمة كشرط لقيام المسئولية ولم يتوصل إلي وجود هذا الخطأ فبدأ في البحث عن وسيلة أخرى لتعويض المضرور وفي النهاية حكم بالتعويض ليس على أساس الخطأ بل على الإهمال المتمثل في عدم وضع تحذير للكافة بوجود المجرى... وهذا القضاء يتعارض مع أ حكام القانون العام الذي يحدد المسئولية على الخطأ كشرط وفي نفس الوقت كأساس لقيامها.


أما القضية الثانية: فهي قضية حسن حسين ضد سكك حديد السودان[5]


في هذه الدعوى أكد الفقه القضائي وبمفهوم المخالفة فكرة الخطأ كأساس لدعوى المسئولية ... ووقائعها وقوع حادث أثناء العمل نتج عنه فقد عامل بالسكة الحديد لثلاث أصابع من يده... وفي غياب القانون الذي يحكم إصابات العمل في ذلك الوقت بدا للمحكمة أنه لابد من الخيار بين تطبيق القانون الإنجليزي (قانون تعويضات العمال لسنة 1897م أو اللجوء إلي قواعد القانون العام وفي النهاية أقر القاضي أن القانون الواجب التطبيق هو القانون العام (قواعد المسئولية العامة) وحكم بعدم المسئولية لغياب الخطأ في مواجهة الإدارة.


ولابد هنا من الإشارة إلي أن ما يحكم تأسيس المسئولية هو العلاقة بين المضرور والإدارة أما إذا كان المضرور هو الغير كما في قضية قطران لاختلف الأمر على نحو ما تبين...


نخلص مما تقدم إلي التقرير بأن القانون الإداري السوداني رغم تطوره اللافت في مجال القضاء الإداري وعلى وجه الخصوص الرقاب القضائية على أعمال الإدارة بدعوى الطعن بالإلغاء إلا أن دعوى التعويض ما زال قائماً على أساس المسئولية وفق أحكام القانون العام كما أن المحاكم المدنية هي المختصة بنظر دعوى التعويض.


ولكن يبقى السؤال هل يتفق هذا الاتجاه مع طموحات القانون السوداني وما استقر عليه في فقه القانون الإداري الحديث وهل للقاضي الإداري دور مختلف عند معالجته للدعوى الإدارية.. هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المحور الثالث...


 


المحور الثالث


طبيعة دور القاضي الإداري في نظر الدعوى الإدارية


يستمد القاضي الإداري اختصاصه بنظر الدعوى الإدارية من طبيعة الدعوى الإدارية نفسها التي تختلف عن الدعوى المدنية من وجوه عدة كما يختلف دور القاضي الإداري تبعاً للنظام القانوني المتبع في الدولة على نحو ما سنبينه.


التمييز بين الدعوى الإدارية والدعوى المدنية


الدعوى الإدارية هي الوسيلة التي تحرك اختصاص القضاء الإداري لنظر المنازعة الإدارية أمامه وإصدار حكم قاطع قابل للتنفيذ. وقد يبدو من هذا التعريف أن التشابه وارد بين كل من الدعوى المدنية والدعوى الإدارية إلا أن هناك حدوداً فاصلة بينهما يمكن تبيانها في النقاط التالية:



  • أولاً: أطراف الدعوى الإدارية تختلف عن أطراف الدعوى المدنية، إذ لابد أن يكون طرفاً في الدعوى الإدارية شخص من أشخاص القانون العام، أي شخص معنوي أو إداري له سلطة الأمر والنهي، بينما أطراف الدعوى المدنية يكونون دائماً من الأشخاص الطبيعيين.

  • ثانياً: الدعوى الإدارية تُعرف بأنها دعوى المصلحة العامة ويترتب على ما تقدم احتواء القانون الإداري على مباديء ونظريات يضعها القاضي الإداري في اعتباره عند نظر الدعوى الإدارية مثل حق الإدارة في التنفيذ المباشر ونزع الملكية للمصلحة العامة والرقابة على مشروعية أعمال الإدارة وغيرها من المسائل التي لا مثيل لها في القانون المدني، ولا يحق للقاضي المدني وضع مثل هذه المسائل في الاعتبار إذ يحكم في الدعوى وفق أرجحية البينات المقدمة أمامه وتحقيقاً لمبدأ المساواة بين الأطراف.

  • ثالثاً: موضوع المنازعة الإدارية – غالباً – ما توجه ناحية نشاط الإدارة وما ترتب على ذلك من ضرر نتيجة هذا النشاط ولذلك يقال إن الخصومة في الدعوى الإدارية – خاصة دعوى الإلغاء – توجه صوب النشاط الإداري، أما في الدعوى المدنية فالمنازعة تدور حول حق متنازع عليه بين الأطراف.

  • رابعاً: يذهب بعض الفقهاء أيضاً إلي القول بأن مباديء الإثبات في المنازعات الإدارية تختلف عن الإثبات في المنازعات المدنية، فإذا كان مبدأ حياد القاضي في المادة المدنية نتيجة للطابع الاتهامي للإجراءات فإن مبادرة القاضي  الإداري تتبع في ميدان الإثبات من الطابع الحقيقي للإجراءات الإدارية، فالتحقيق في المنازعات الإدارية ذو طابع إجباري على خلاف المواد المدنية التي لا يُلجأ فيها إلي التحقيق إلا على سبيل الاختيار.[6]

دور القاضي الإداري في نظر  الطعن بالإلغاء:


1. للقاضي الإداري سلطات أوسع من القاضي المدني وله دور إيجابي في تسيير دعوى الطعن أمامه وفي هذا الشأن لا يتقيد بما يبديه الخصوم من أوجه عدم المشروعية، المهم أن ينزل القاضي صحيح أحكام القانون وأن يتأكد بطريقته من المشروعية ومدى تقيد الإدارة بهذا المبدأ لأن هذا هو دور المحكمة الطبيعي في الرقابة على المشروعية، أما ما يبديه الطاعن فهو أمر يتعلق بمصلحته الخاصة بينما يسعى القاضي الإداري إلي تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للطاعن.


وتعليقاً على ذلك جاء في حكم حديث للمحكمة العليا الدائرة الإدارية أنه "ما زالت محكمة الطعون الإدارية تعالج دعوى الطعن في القرارات الإدارية معالجة الدعاوى المدنية من حيث تحديد نقاط النزاع حول مدى أحقية كل من طرفي الدعوى في موضوع الطعن، وهذا لا يفيد الطعن الإداري في شيء بل ويبتعد عن الغاية المرجوة من الطعن الإداري بالتأكيد من مشروعية القرار الإداري وصدوره صحيحاً وفق القانون".[7] وما ينطبق هنا على دعوى الإلغاء ينطبق على دعوى التعويض.


هذا الاختلاف بين الدعوى المدنية والدعوى الإدارية تبعه اختلاف في طبيعة دور القاضي الإداري في نظر الدعوى الإدارية وعلى وجه الخصوص دعوى إلغاء القرارات الإدارية.



  1. القاضي الإداري هو الذي وضع – في كثير من الأحيان – القاعدة القانونية واجبة التطبيق لعجز المشرع عن تصور قواعد عامة لتحقيق مبدأ مشروعية نشاط الإدارة، لذلك فإنه مطلوب من القضاء الإداري أن لا يكتفي بحل النزاع المطروح أمامه بل من الضروري أن يبادر بوضع والمباديء القانونية واجبة الإتباع في الحالات المماثلة بالتحليل الموضوعي والمقارنة مع تجارب الدول الأخرى.

  2. هناك دور رئيسي للقاضي الإداري في قواعد الإثبات وهو دور تحقيقي لا يقنع فيه القاضي بمبدأ الحياد وترك حرية الإثبات لطرفي الدعوى كما هو الحال بالنسبة للقضاء المدني، فللقاضي الإداري أن يتدخل ويوجه قاعدة الإثبات لأن دوره هو دور رقابي على أعمال الإدارة.

  3. ليس هناك إلزام على القاضي  الإداري بتطبيق القواعد العامة للقانون المدني إلا ما يتناسب مع طبيعة الدعوى الإدارية وقد سجل القضاء المصري سبقاً في تأكيد هذه القاعدة في حكم صادر للمحكمة الإدارية العليا في 2 يونيو 1956م حيث جاء فيه: "إن روابط القانون الخاص تختلف في طبيعتها عن روابط القانون العام، وإن قواعد القانون المدني قد وضعت لتحكم روابط القانون الخاص ولا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي، وإنما تكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام بين الإدارة في قيامها على المرافق العامة وبين الأفراد، فله أن يطبق من القواعد المدنية ما يتلاءم معها وله أن يطرحها إن كانت غير ملائمة وله أن يطورها بما يحقق التلاؤم.[8]

جاء في حكم حديث أيضاً للقضاء الإداري في مصر: " على المحكمة الإدارية المختصة أن توجه الإجراءات لكي تفحص موضوع الدعوى وتمحصه وتحدد حقيقة الطلبات التي يهدف إليها الخصوم وتنزل عليها حكم القانون، المحكمة في مجال المنازعات الإدارية والقضاء الإداري هي الأمينة على المشروعية وسيادة الدستور والقانون، أيضاً هي المسئولة عن إرساء وإعلاء السيادة، المفروض في القاضي الإداري ليس فقط العلم بالقاعدة القانونية واجبة التطبيق على الوقائع التي يستبينها، بل المفروض أيضاَ أن يبادر إلي تطبيق صحيح القانون حسبما يحكمه مبدأ المشروعية.[9]


 


 


 


 


 


 


خاتمـــــــــــة:


لقد نجح القاضي الإداري في السودان في دعم وتعزيز مبدأ المشروعية بأحكام جريئة مستمدة من طبيعة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة مستعيناً في ذلك بالفقه والقضاء المقارن حتى توج ذلك بإصدار قانون القضاء الإداري لسنة 2005م والذي استجاب فيه المشرع لاجتهادات القضاء الإداري مما يحقق مفهوم قاعدة أن القانون الإداري قانون من صنع القضاء.


إن طبيعة المنازعات الإدارية ودور القاضي الإداري المتمثل في رقابة أعمال الإدارة وما يقابل ذلك من تنوع أنشطة الإدارة والوسائل المستخدمة في ممارسة هذا النشاط يتطلب قيام القضاء الإداري بممارسة اختصاصاته بالرقابة على كافة أنشطة الإدارة بما في دعوى التعويض.


 


 


 






[1] د.وهبي محمد مختار – دور القضاء في إنشاء وتطوير القانون الإداري (بحث) مجلة العدالة أبو ظبي يناير 2003م ص21.




[3] مجلة الأحكام القاضئية 1972م صفحة 128.



[4] ميشيل قطران ضد حكومة السودان، مجلة الأحكام القضائية 1958م ص85.



[5] ص123  Twining.W.L.A. Study in Judicial T.



[6] الحسين بن شيخ أث ملويا، مباديء في المنازعات الإدارية، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر 2000م ص10.



[7] الطعن رقم/ ع/ط أ س/36/2002م صادر بتاريخ 12/8/2004م.



[8] سليمان الطماوي – القضاء الإداري، دعوى الإلغاء ص26.



[9] المستشار حمدي ياسين عكاشة، المرافعات الإدارية في قضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف بالإسكندرية، الطعن، ص1068.