تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

إبراهيم محمد إبراهيم الحديثي

Professor

أستاذ القانون الإداري والدستوري

كلية الحقوق والعلوم السياسية
كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون العام، مكتب رقم 2 أ \ 248
مدونة

تجربة المملكة في مجال الإصلاح الإداري

 

 

 

 

الندوة الجامعية الكبرى (المحور الإداري)، ص ص1-38 ، (1420هـ/1999م).

تجربة المملكة العربية السعودية في مجال الإصلاح الإداري

خلال مائة عام

د . عبد الرحمن بن أحمد هيجان

أستاذ الإدارة العامة المشارك

مدير عام الاستشارات، معهد الإدارة العامة
الرياض، المملكة العربية السعودية
ملخص البحث. ارتبط مفهوم الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية بقصة بناء الأمة ونمائها. فلقد أولى جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – منذ فتحه مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال 1319هـ قضية الإصلاح الإداري كل اهتمامه. لقد كانت جهوده الإصلاحية ماثلة في إصدار العديد من الأنظمة والقواعد التي تقنن شؤون الدولة والمواطن، وتحدد كيفية تشكيل المجالس واللجان والمنظمات الإدارية ومهماتها التي أنيطت بها مسؤولية ترجمة هذه الأنظمة إلى واقع حقيقي. لقد فطن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى قضية الاستفادة من خبرة وتجارب الشعوب والمنظمات الدولية الأخرى التي كان لها عظيم الأثر في رفع مسيرة النماء والتطور إلى جانب الخبرة السعودية التي كان لها عظيم الأثر أيضاً فيما بعد في رفع عجلة الإصلاح الإداري. لقد شكلت جهود الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – في مجال الإصلاح الإداري، قاعدة متينة انطلق منها أبناؤه البررة من بعده الذين حملوا أمانة الرسالة على خير وجه، بدءاً بالملك سعود ثم الملك فيصل فالملك خالد – طيب الله ثراهم أجمعين – ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (أمد الله في عمره).
ولما كانت جهود ومجالات تجربة الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام كبيرة ومتنوعة لدرجة يصعب معها حصرها في ورقة مثل هذه، بل يمكن القول إن كل ما يمكن أن يقال في هذه المناسبة العزيزة هو جزء من جهود الإصلاح الإداري، فقد عالجت هذه الورقة ثلاثة نماذج أو مداخل من تجربة المملكة العربية السعودية في مجال الإصلاح الإداري تمثلت في مدخل التعليمات والأنظمة ومدخل الخبرة الأجنبية ومدخل الخبرة السعودية. لقد كان لهذه المداخل الثلاثة أثرها الكبير في جهود عملية الإصلاح الإداري، وذلك فيما يتعلق بتحسين أنظمة وإجراءات الشؤون المالية والإدارية وإجرائها إلى جانب بناء بيئة المنظمات السعودية وتحسينها بما يمكنها من أداء مهماتها بكفاءة وفاعلية.

مقدمة

ارتبط مفهوم الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية بقصة بناء هذه الأمة ونمائها. فلقد كانت جهود الإصلاح الإداري في المملكة ماثلة منذ اللحظة الأولى التي بذرت فيها نواة تأسيس المملكة العربية السعودية،وذلك بفتح مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال 1319هـ. لقد أسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وطناً مترامي الأطراف، يجمع بين سكانه الدين واللغة فقط، وتفرقهم الحروب والحزازات والعصبيات. ولم يكن في معظم الأجزاء التي فتحها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أي كيان يرقى إلى مستوى يمكن أن يطلق عليه اسم الدولة، حتى وإن أطلق على بعضها مسمى دولة تجاوزاً. ذلك أن هذه الكيانات المتناثرة كانت في جلها أبعد ما تكون عن شكل الدولة المنظمة، حيث لا يوجد نظام ولا تنظيم تسير على هديه هذه الكيانات. لقد شغلتها الفتن في ذاتها ومع من حولها، مما حال بينها وبين الانصراف نحو أي جهود للإصلاح الإداري أو الاجتماعي. بل يمكن القول إن هذه الكيانات كانت تمثل عبئًا ثقيلاَ  على قاطني مناطق تلك الكيانات الذين وجدوا أنفسهم مسخرين للحروب وفرض الإتاوات، متناسين أن من مهمات الدولة تقديم الحماية والخدمة والنظام لرعاياها. هذا الفراغ التنظيمي الكبير في الجزيرة العربية، والتشرذم بين ساكنيها، والخوف المزروع في نفوسهم، والتغييب الكامل لهم عن بقية من حولهم من شعوب العالم آنذاك، أراد الله أن يجعل له حدًا، فكان ذلك على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه. فلقد أولى جلالته قضية الإصلاح الإداري، كما أولى غيرها من قضايا الإصلاح الاجتماعي الأخرى، كل اهتمامه منذ فتحه مدينة الرياض، بل وفي أثناء فتوحاته المتوالية لمناطق المملكة، وقبل أن يطلق على هذا الكيان الكبير مسمى المملكة العربية السعودية عام 1351هـ. ولقد كانت جهوده الإصلاحية ماثلة في إصدار العديد من الأنظمة والقواعد التي تقنن شؤون الدولة والمواطن، وتحدد كيفية تشكيل المجالس واللجان والمنظمات الإدارية ومهماتها التي أنيطت بها مسؤولية ترجمة هـذه الأنظمة إلى واقع حقيقي. لقد فطن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى قضية الاستفادة من خبرة وتجارب الشعوب والمنظمات الدولية الأخرى التي كان لها عظيم الأثر في دفع مسيرة النماء والتطور، إلى جانب بناء الخبرة السعودية التي كان لها عظيم الأثر أيضاً فيما بعد في دفع عجلة الإصلاح الإداري. لقد شكلت جهود الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) في مجال الإصلاح الإداري، قاعدة متينة انطلق منها أبناؤه البررة من بعده الذين حملوا أمانة الرسالة على خير وجه، بدء اً بالملك سعود، ثم الملك فيصل، فالملك خالد (طيب الله ثراهم أجمعين)، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (أمد الله في عمره) .
ولما كانت جهود تجربة الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية ومجالاتها خلال مائة عام كبيرة ومتنوعة؛ بحيث يصعب حصرها في ورقة مثل هذه، بل يمكن القول إن كل ما يمكن أن يقال في هذه المناسبة العزيزة هو جزء من جهود الإصلاح الإداري، فإننا سوف نقصر حديثنا هنا على بعض نماذج من هذه التجربة، وذلك وفقًا للمداخل التالية :
أولاً: مدخل التعليمات والأنظمة .
ثانياً: مدخل الخبرة الأجنبية .
ثالثاً: مدخل الخبرة السعودية .
آخذين في الاعتبار التكامل بين هذه المداخل، ومؤملين في نفس الوقت أن نسهم في إبراز بعض جوانب تجربة الإصلاح الإداري، وتطوير وتحسين واقع الجهاز الحكومي وأدائه في المملكة العربية السعودية .

أولاً: مدخل التعليمات والأنظمة

يمثل صدور التعليمات والأنظمة التي واكبت نشأة المملكة العربية السعودية وتكوينها منذ مراحلها الأولى إحدى الدعائم الأساسية لحركة الإصلاح الإداري. فلقد كانت هذه الأنظمة بمنزلة الضوابط والموجهات بالنسبة لتحديد حركة الإصلاح الإداري وتأطيرها، وذلك فيما يتعلق بتحديد هوية الدولة وتكوينها، وتحديد صلاحيات المسؤولين فيها، والأمور التي تضطلع بها. لقد كانت هذه التعليمات تمثل المرجع الأساسي، وذلك استناداً إلى كتاب الله وسنة رسوله اللذين يشكلان دستور هذه الأمة، في أي جهود تقوم بها الدولة، ويكون من شأنها تطوير وتحسين الجوانب الإنسانية والتنظيمية والتشغيلية لجهازها. لقد كان هدف هذه الجهود تحسين كفاءة وفاعلية هذا الجهاز من أجل تحقيق أهداف التنمية على كافة الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية [1] .
ولما كانت المجالات التي تناولتها هذه التعليمات والأنظمة متعددة جدًا، فإننا سوف نركز هنا على مجالين أساسيين من مجالات الإصلاح الإداري التي عالجتها هذه التعليمات والأنظمة، وهما مجالا الشؤون المالية وشؤون الموظفين .
1 -الشؤون المالية
تمثل التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية الصادرة بتاريخ 21/2/1345هـ (3/8/1926م) أولى الوثائق الأساسية التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة تطور تاريخ المملكة بشكل عام، وتجربة الإصلاح الإداري فيها بشكل خاص. لقد اشتملت التعليمات الأساسية على تسعة أقسام حوت تسعاً وسبعين مادة نظامية. اختص القسم الأول بالمملكة، وشكل الدولة، والعاصمة، واللغة، كما اختص القسم الثاني بإدارة المملكة، والأحكام، والنيابة العامة، ومسؤولية الإدارة، والقسم الثالث بأمور المملكة، والقسم الرابع بالمجالس، والقسم الخامس بديوان المحاسبات، والقسم السادس بالمفتشية العامة، كما اختص القسم السابع بالمأمورين، والثامن بالمجالس العمومية، والتاسع بلجان الإدارة للبلديات .
لقد كان الاهتمام بإصلاح الآلية المالية حاضرًا في هذه التعليمات، حيث عالجت هذه التعليمات في القسم الثالث أمور المملكة، فقسمتها إلى ستة أقسام أساسية هي :الأمور الشرعية، والأمور الداخلية، والأمور الخارجية، والأمور المالية، وأمور المعارف العمومية، والأمور العسكرية. لهذا فقد كانت الأمور المالية من بين القضايا التي اهتمت بها هذه التعليمات، حيث نصت المادة (20) منها على أن (( الأمور المالية هي عبارة عن كيفية إجراء وتنظيم منابع الواردات المختلفة للدولة ومصاريفها العامة ))، كما أسندت مسؤولياتها إلى المديرية المالية التي تكونت من ثلاثة أقسام هي: أمانات الأموال للملحقات، ومأموريات المحاسبة ذات الواردات، وإدارة الجمارك. ولقد نصت المادتان (21) و(22) على ارتباط مديرية المالية بالنيابة العامة، وحددت مسؤولية جميع مأموري المالية عن حسن جريان الأمور المالية وانتظامها، كما نصت المادة (45) من نفس التعليمات على أنه لا يجوز صرف أي مبلغ كان من خزينة الدولة قبل تأشير ديوان المحاسبات عليه بوجوب الصرف، وذلك يحدد في نظامه المخصوص، ما لم "ترد" فيه إدارة صاحب الجلالة الملك. وفي هذا الصدد يقول صافي إمام موسى (1405هـ): إن نص هذه المادة يجعل ديوان المحاسبات أشبه بنظام التمثيل المالي المعمول به في الوقت الحاضر، وهو يمثل الرقابة السابقة على الصرف[2]. وهذا التأكيد من قبل التعليمات الأساسية لضبط عملية الصرف كان القصد من ورائه الحيلولة دون حدوث أي تجاوزات أو انحراف في الأعمال المالية من شأنها أن تؤثر في شؤون الدولة، وخاصة أنها لا تزال في المراحل الأولى لنشأتها.
ولكي تنتظم الأمور المالية في الدولة الفتية بشكل أفضل، فقد صدر في عام 1347هـ نظام وكالة المالية العامة الذي نص في المادة السابعة منه على تشكيل وكالة للمالية العامة تكون المرجع الرئيسي لكل الأجهزة المالية، وذلك من أجل وضع حد  لاجتهادات الموظفين في مختلف الدوائر الموجودة آنذاك. لقد تضمن هذا النظام مبادئ تم تأكيد ضرورة الأخذ بها في إعداد ميزانية الدولة، حيث اقتصرت هذه المبادئ والضوابط على عملية إعداد الميزانية. إلى جانب هذه المبادئ المتعلقة بإعداد الميزانية، فقد تضمن نظام وكالة المالية العامة مواد تنظم عمليتي الإيرادات والنفقات.
ففي جانب الإيرادات عالجت المواد: الثامنة والثانية عشرة والثالثة عشرة والثالثة والعشرون والسادسة والعشرون والسابعة والعشرون من نظام وكالة المالية العامة، مصادر إيرادات الدولة، وكيفية ضبطها ومراقبتها، وتوحيد الإجراءات المالية في مختلف الإدارات،. فعلى سبيل المثال ألزمت المادة الثالثة عشرة من نظام وكالة المالية العامة جميع الدوائر ذات الواردات بأن تقدم جدولاً  شهريًا مفصلاً  فيه بيان حسابات وارداتها حسب أنواعها لإدارة المالية لتدقيق حساباتها، وتطبيقها على التعليمات المتعلقة بها في الأسبوع الأول من الشهر الذي يليه. كما منح نفس النظام في المادة (23) وكالة المالية العامة سلطة رقابة عامة، وألزمها بممارسة تلك السلطة؛ حيث نصت هذه المادة على أنه يجب على مركز المالية مراقبة الدوائر ذات الإيراد في تحصيلاتها، وضبط التحصيل والقيود على النسق الذي يكفل ضبط حقوق الخزينة. وعليه فكل مأمور مالي مسؤول عن عمله إذا خالف شيئًا من التعليمات المبلغة له من مرجعه، وعلى المالية أن تضع التعليمات اللازمة لتوحيد نسق المعاملات المالية لجميع الدوائر. وهكذا يتبين من هذه الأمثلة حرص الدولة على عدم التهاون في الأموال العامة; وذلك إدراكًا منها لأهمية هذه الضوابط باعتبارها أساسًا لأي إصلاح إداري في الجوانب المالية[3] .
أما في جانب النفقات العامة فقد عالجتها المادة (29) من نظام وكالة المالية العامة نفسها، حيث قسمت هذه النفقات إلى ثلاثة أقسام تضمنت: (أ) النفقات المقررة، كالرواتب المقررة بالميزانية. (ب) الاعتمادات المخصصة بالميزانية لأمور خاصة، وهذه تصرفها المالية بناءً  على طلب الدائرة التي خصص لها الاعتماد. وفي حالة حدوث خلاف بين المالية والدائرة المختصة على جوهر الموضوع وضرورة إنفاق المبلغ من عدمه، فعندئذٍ  يحال الأمر إلى النيابة العامة للبت فيه وإصدار الأمر القطعي بالصرف من عدمه. (ج) النفقات فوق العادة، وهي النفقات التي لا تصرف إلا بأمر من جلالة الملك أو نائبه العام. ويعلق صافي إمام موسى على الرقابة على الإنفاق أو الصرف المشار إليها في الفقرة الثانية من هذه المادة - أي المادة 29 – بقوله: لم تكن هذه الرقابة قاصرة على كونها رقابة محاسبية أو إجرائية كما هو الحال في الرقابة السابقة على الصرف عن طريق التمثيل المالي أو الرقابة اللاحقة على الصرف عن طريق ديوان المراقبة العامة، لقد كانت في ظني رقابة إيجابية تستهدف كشف مناسبة الإنفاق ومواءمته. ونظرًا لندرة موارد المملكة في تلك الفترة، فقد أصدرت المملكة عدة أنظمة وتعليمات من شأنها أن تضمن لها بعضًا من الإيرادات التي تعينها على سد بعض النفقات العامة، ومن هذه الأنظمة والتعليمات نظام تسجيل الشركات عام 1347هـ، ونظام تسجيل العلامات الفارقة لعام 1358هـ، وتعليمات عام 1358هـ وعام 1360هـ الخاصة بكيفية إيجاد أبنية الدولة وعقاراتها وبيع حاصلاتها، ونظام رسوم الطوابع لعام 1359 [4] .
على أن اتساع نطاق مهمات الدولة الفتية، وتعدد أجهزتها الإدارية، وتنوع مواردها المالية، قد أملى عليها ضرورة إعادة النظر في بعض أنظمتها السارية، وإيجاد أنظمة وأجهزة إدارية جديدة تساير الوضع الجديد، وخاصة ما يتعلق بتحسين وتطوير أنظمة الرقابة المالية ففي عام 1364هـ صدر نظام التفتيش المالي الذي وافق عليه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود في 16 ربيع الأول 1364هـ، الذي نص على وظائف المفتشين باعتبارها تشتمل على تفتيش وتدقيق سائر المعاملات المتعلقة بتحقيق وجباية كافة الضرائب والرسوم وما إلى ذلك من الواردات، إلى جانب تدقيق النفقات العامة وصحة القيود الحسابية لدى كافة الدوائر والمستودعات بما فيها الجمارك والبرق والبريد، سواءً النقدية منها أو العينية [5] .
لقد بلغ الاهتمام بالرقابة المالية درجة عالية من التنظيم، وذلك بصدور نظام شعب مجلس الوزراء في عام (1373هـ)، حيث نص الباب الثامن منه على إنشاء جهاز مراقبة في ديوان رئاسة مجلس الوزراء يتناول التدقيق وفحص الحسابات للتأكد من صحة القيود المتعلقة بالواردات أو النفقات والتثبت من أن  تحصيل الإيرادات وصرف النفقات قد تم وفقًا للأنظمة والتعليمات النافذة.
وقد أجريت عدة دراسات للديوان تتعلق بتنظيمه واختصاصاته وإجراءات العمل فيه، وذلك في ظل برنامج الإصلاح الإداري، الذي بدأ عام 1383هـ، حيث ترتب على هذه الدراسات، وما تلاها من دراسات أخرى، عدة تعديلات على الديوان، كان أبرزها صدور نظام جديد لديوان المراقبة العامة بموجب المرسوم الملكي رقم (3/9) وتاريخ 11/2/1391هـ الذي تم على أساسه استقلال الديوان بحيث لم يعد شعبة من شعب مجلس الوزراء، كما هو الحال في نظامه لعام 1373هـ. وفي مجال اختصاص الديوان نصت المادة (7) من نظامه على أن (( يختص الديوان بالرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها، وكذلك مراقبة كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة، ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها)). أما التعديل الثاني على ديوان المراقبة العامة، وهو تعديل في إطار نظام الديوان لعام 1391هـ، فقد تمثل في صدور قرار اللجنة العليا للإصلاح الإداري رقم (157) وتاريخ 9/9/1405هـ القاضي بإعادة تنظيم ديوان المراقبة العامة من حيث العلاقات التنظيمية بين الوحدات المكونة له، وإنشاء وحدات لم تكن موجودة من قبل. لقد أكد هذا التحول أو التعديل في إعادة التنظيم الداخلي للديوان تغيير مفهوم الرقابة التي يمارسها، حيث تم تأكيد نوعين أساسيين من الرقابة، هما: المراجعة المالية، والرقابة على الأداء. إذ لم تكن الرقابة على الأداء قائمة بشكل رسمي في المرحلتين السابقتين من مراحل نشاط الديوان وتطور اختصاصاته .
على أن توطيد سلامة النظام المالي في المملكة وإصلاح آليته لم تقتصر على إنشاء ديوان المراقبة العامة، فلقد أنشئت هيئة الرقابة والتحقيق في عام 1391هـ كهيئة مستقلة ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، وتضم جهازين رئيسين هما: جهاز الرقابة، وجهاز التحقيق[6] .
ولقد أوجب نظام الهيئة عليها أن تقوم بدور في الرقابة والتحقيق للكشف عن المخالفات الإدارية والمالية بأسلوب يكمل - ولا يتعارض مع - الاختصاص المعطى للديوان العام للخدمة المدنية ولديوان المراقبة العامة. وقد جاء في حيثيات بيان اختصاصات إدارة الرقابة المالية بهيئة الرقابة والتحقيق، المبلغة بالأمر السامي رقم (29516/3/ر) وتاريخ 16/9/1394هـ (1974م)، أنه (( 000 يمكن تسمية دور الهيئة في مجال الرقابة (الرقابة الفجائية الوقائية) بهدف المعاونة على متابعة إنجاز الأعمال وأداء الخدمات وفقًا لما هو مقرر لها بخطة الدولة. ولها في هذا السبيل أن تبحث وتتحرى أسباب القصور في الإنجاز والأداء، سواء لوجود ثغرات في الأنظمة، أو عن طريق الكشف عن المخالفات والجرائم المسلكية التي يرتكبها الموظف العام، وتحليل أسبابها، واقتراح الوسائل التي تؤدي إلى سد الثغرات ومعالجة الانحرافات وعدم تكرار المخالفات 000 إلخ. ومن أجل تأكيد هذا الدور أوجب نظام الهيئة أن يقدم رئيس هيئة الرقابة والتحقيق 000تقريرًا سنويًا شاملاً  عن أعمال جهازه، متضمنًا ملاحظاته ومقترحاته، لمرجعه المباشر رئيس مجلس الوزراء))[7]. ومما يجدر ذكره هنا أنه بالإضافة إلى إنشاء ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق كجهات رقابية على الأجهزة الحكومية بعد الصرف، فقد أصدرت وزارة المالية والاقتصاد الوطني في عام 1376هـ التعليمات المالية للميزانية والحسابات؛ بغرض تنظيم الإدارة المالية الحكومية، وتمكين الدولة من إحكام الرقابة على عملياتها، والوقوف على مركزها المالي بدقة ويسر. ونظرًا للحاجة المستمرة للتطوير، فقد تعرضت التعليمات المالية منذ صدورها وحتى الآن لكثير من التعديلات والإضافات التي تناولت معظم المواد [8] .
إضافة إلى التعليمات المالية، فإن مجلس الوزراء يقوم سنويًا بإصدار تعليمات مالية بكيفية تنفيذ الميزانية، تسمى بقواعد تنفيذ الميزانية، وتبلغ للجهات الحكومية بعد إقرار الميزانية العامة للدولة، وتحتوي على قواعد وإجراءات خاصة بتنفيذها، بالإضافة إلى تعليمات تفصيلية تصدر من وزارة المالية والاقتصاد الوطني وفقًا لقواعد تنفيذ الميزانية. كما تقوم وزارة المالية والاقتصاد الوطني في الوقت نفسه بإصدار تعليمات جباية الإيرادات وإيداعها خلال السنة المالية، وتشمل إجراءات تحصيل الإيرادات وتسجيلها. وأخيرًا، فإن هناك تعليمات أخرى يطلق عليها تعليمات "إقفال الحسابات "، وهي تحدد الإجراءات اللازمة لإقفال الحسابات في نهاية السنة وإصدار الحساب الختامي .
وهكذا يتبين لنا من خلال استعراض التعليمات والأنظمة المتعلقة بالشؤون المالية، أثر جهود الإصلاح الإداري في عملية تحسين الإجراءات المالية وضبطها بما يتلاءم ومعطيات تطور الوضع المالي والإداري في المملكة، وبما يحقق في الوقت نفسه خطط التنمية الوطنية .
2- شؤون الموظفين
يعتبر مجال شؤون الموظفين من مجالات الإدارة الرئيسية في المملكة العربية السعودية التي خضعت - ولا تزال تخضع - للكثير من جهود الإصلاح الإداري منذ نشأة المملكة العربية السعودية. ذلك أن الموظفين يمثلون الركيزة الأساسية في نجاح أي سياسة أو خطة تتبناها الدولة من أجل تنمية المجتمع وتطويره. لهذا كان لزامًا أن يهتم المنظم السعودي بقواعد اختيار هؤلاء الموظفين وترقيتهم وتحفيزهم وتنميتهم، لا سيما أن الدولة كانت تعاني من بين ما تعانيه في نشأتها الأولى من مشكلة عدم توافر القوى البشرية المؤهلة لدفع عجلة التنمية. وكما هو الحال في الشؤون المالية، فقد بدأت جهود الإصلاح الإداري في مجال شؤون الموظفين بإصدار التعليمات والأنظمة التي تقنن عملية التوظيف، وتحكم حقوق الموظف وواجباته.
لقد كانت التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية عام 1345هـ تمثل نقطة البداية فيما يتعلق بتجربة المملكة في مجال الإصلاح الإداري. فقد اختص القسم السابع من هذه التعليمات بمعالجة شؤون المأمورين (الموظفين)؛ حيث نصت المادة السادسة والخمسون منه على شروط التوظيف، والتي تضمنت: التابعية للملك، والأهلية، والاقتدار، والاتصاف بالأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة، والمحافظة على الحقوق المدنية والشرعية. كما قضت المادة الثامنة والخمسون بأن المأمور الداخل في خدمة الدولة بموجب المادة (56) تكون جميع حقوقه تحت ضمان الدولة، كما نصت المادة الستون على أن المأمور الذي لم تثبت عليه جريمة أو سوء معاملة، لا يجوز عزله عن وظيفته بتاتًا، كما قضت المادة الحادية والستون بأن يسن قانون خاص لمأموري الدولة؛ يوضح فيه كيفية تعيينهم وترقيتهم ورواتبهم وحقوقهم ووظائفهم ودرجاتهم وعزلهم ومعزوليتهم وتقاعدهم عن الاستخدام، وإجراء محاكمتهم وكل ما يتفرع عن ذلك [9] .
لقد تواصلت جهود الإصلاح الإداري في مجال شؤون الموظفين بعد صدور التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية لعام 1345هـ، وخاصة فيما يتعلق بمراقبة سلوك الموظف، حيث تم تكليف لجنة التفتيش والإصلاح التي تشكلت في عام 1345هـ بوضع قواعد تضبط سلوك الموظفين. وقد توصلت هذه اللجنة إلى وضع نظام خاص بتأديب الموظفين، كما ساهمت في إصدار بعض الأنظمة التي تنظم شؤون بعض المصالح والإدارات، حيث تضمنت هذه الأنظمة مواد تعالج شؤون الموظفين، وتتعلق بشروط الدخول في الوظيفة، أو إجراءات التعيين، أو واجبات الموظف وحقوقه [10] .
على أن صدور التعليمات الأساسية لعام 1345هـ، وتشكيل لجنة التفتيش والإصلاح في العام نفسه، لم يكن كافيًا في ذلك الوقت لمعالجة وضع شؤون الموظفين، الأمر الذي أدى إلى قيام مجلس الشورى ببحث إمكانية صدور نظام للموظفين، حيث عرض في جلسته المنعقدة في هذا التاريخ مشروع نظام خاص بترتيب درجات الموظفين وترقياتهم بشكل يحفظ للموظف أسبقيته ويؤمن له حقوقه [11]. غير أن هذا الأمر لم يتم البت فيه في تلك الجلسة، لكن صدرت في العام نفسه تعليمات رجب لعام 1347هـ التي تضمنت اثنتي عشرة مادة، تم من خلالها معالجة قضايا تعيين ونقل وعزل الموظفين، كما تم استحداث وظيفة جديدة بمسمى "مأمور سجل" لتقوم بدور الإدارة المركزية التي ترعى شؤون الموظفين في الدولة[12] .
لقد مثلت تعليمات عام 1347هـ واقعًا قويًا لإيجاد نظام متكامل لشؤون الموظفين، تمثل في صدور نظام المأمورين لعام (1350هـ). وقد عني هذا النظام بكيفية ترشيح الموظفين وتعيينهم، وتحديد رواتبهم، وصدور كفالاتهم، وطرق محاكماتهم، وأنواع عقوباتهم، وتصنيف درجاتهم، وأحوال ترقيتهم ونقلهم، وعزلهم وجميع ما لهم وعليهم من حقوق وواجبات عامة. بل لقد أكد هذا النظام ضرورة الإعلان في الجريدة الرسمية عن الوظيفة الشاغرة، على أن يجري ترشيح وانتخاب اللائق للوظيفة الشاغرة بواسطة لجنة تشكل لهذا الغرض في كل دائرة برئاسة مديرها أو رئيسها وبعضوية اثنين من كبار موظفيها. كما أقر هذا النظام حق الموظف في التمتع بنوعين من الإجازات، وهما: الإجازة الاعتيادية، والإجازة المرضية. وبهذا يمكن القول إن صدور نظام المأمورين لعام 1350هـ قد شكل المنطلق الأساسي لإيجاد القواعد الأولى لنظام الخدمة المدنية بالمملكة [13] .
على أن اتساع أنشطة الدولة وتعدد أجهزتها، وبالتالي زيادة عدد الموظفين فيها، قد أملى على المنظم آنذاك إجراء تعديلات في نظام المأمورين لعام 1350هـ، تمثلت في صدور نظام الموظفين لعام 1364هـ الذي عالج قضايا شؤون الموظفين، ابتداءً من تعيينهم حتى إنهاء خدماتهم. وقد تميز هذا النظام عن سابقه بما استحدثه من تصنيف للوظائف العامة حددها في إحدى عشرة مرتبة ومرتبة ممتازة، وقسمها إلى ثلاث فئات، تضم الفئة الأولى منها المرتبة الممتازة والمراتب من الأولى إلى الخامسة، أما الفئة الثانية فتضم المراتب من السادسة إلى التاسعة، وأما الفئة الثالثة فتضم المرتبتين العاشرة والحادية عشرة، على أن هذا التصنيف للوظائف لم يكن مبنيًا على أسس علمية، فضلاً  عن وجود بعض الخلل في النظام ذاته، الأمر الذي أدى إلى صدور تعليمات الكادر العام والجداول الأربعة الخاصة بالموظفين وتصنيف وظائفهم، إلى جانب صدور بعض القرارات والمراسيم التي حاولت معالجة جوانب الخلل في النظام .
غير أن صدور هذه القرارات والمراسيم لم يكن كافيًا أيضًا لمعالجة عيوب نظام الموظفين لعام 1364هـ والرقي به إلى نظام متكامل للخدمة المدنية، وخاصة فيما يتعلق بعدالة اختيار الموظفين وترقياتهم، وإنهاء خدماتهم، الأمر الذي دفع بجهود الإصلاح الإداري في هذا المجال نحو إصدار نظام عام جديد للموظفين عام 1377هـ، كما صدر في العام الذي تلاه نظام التقاعد، حيث نصت المادة الثامنة منه على إنشاء مصلحة استحقاقات التقاعد للعناية بشؤون الموظفين المتقاعدين [14] .
لقد أسند لنظام الموظفين لعام 1377هـ مسؤولية امتحانات  الموظفين ومسابقاتهم، وموضوع ترقياتهم إلى ديوان الموظفين، كما نصت على ذلك المادة السابعة منه. إلى جانب ذلك فقد أكد هذا النظام موضوعية الشروط الواجب توافرها فيمن ينسب للخدمة المدنية، وذلك من حيث المؤهلات، وحسن السيرة والسلوك، والنجاح في امتحان المسابقة، الأمر الذي جعله أكثر قربًا من نظم الخدمة المدنية السائدة في المجتمعات المتقدمة، وإن كان لم يصل بعد إلى الحد الذي يمكن القول عنه بأنه نظام متكامل بالنسبة لمعالجة قضايا ومواضيع شؤون الموظفين السعوديين، مما أدى إلى إدخال العديد من التعديلات عليه، والتي جعلته مختلفًا إلى حدٍ  كبير عن النظام في صورته الأولى .
 
ولما كانت قضية الموظفين في الدولة السعودية تمثل هاجسًا كبيرًا بالنسبة لواضعي السياسات الإدارية. فقد حاولوا إصدار نظام جديد للموظفين يعالج جوانب القصور التي شهدتها الأنظمة السابقة. وهذه الجهود الإصلاحية قد آتت أكلها في صدور نظام الموظفين العام، لعام 1391هـ الذي نص في مادته الأولى على مبدأ الجدارة، حيث جعلها الأساس في اختيار الموظفين لشغل الوظيفة العامة، كما نص في مادتيه الثانية والثالثة على مبدأ التصنيف والقواعد العامة التي تحكم تصنيف الموظفين. وفي هذا الصدد يعلق صافي إمام موسى على صدور هذا النظام الجديد للموظفين (نظام الموظفين لعام 1391هـ) بقوله: (( لعل أكثر ما يميز هذا النظام هو اقتصاره  -خلافًا لما جرت عليه الأنظمة السابقة-  على المبادئ الرئيسية العامة، واعتماده على لوائح تصدر لمعالجة كل التفاصيل المتعلقة بمختلف مظاهر شؤون الموظفين )) [15] .
ولما كان نظام الموظفين لعام 1391هـ قائمًا على أساس مبدأ الجدارة في التوظيف، الذي يعني ضرورة وجود معايير موضوعية تقاس بها قدرات  الأفراد وكفاءاتها، وتحدد مسؤولياتهم وواجباتهم، فقد أدى ذلك إلى إيجاد خطة لتصنيف الوظائف. حيث أكد هذا النظام الجديد، الذي كان ثمرة لجهود الإصلاح الإداري التي بدأت في عام 1383هـ في مادتيه الثانية والثالثة، مبدأ التصنيف. وتبعًا لذلك، فقد تم تحديد المجموعات الوظيفية التي تغطي أنشطة الخدمة المدنية آنذاك بست مجموعات رئيسة، يندرج تحت كل  منها عدد من المجموعات النوعية، التي تشتمل بدورها على عدد من مجموعات الفئات. ولقد تزامن صدور نظام التصنيف عام 1391هـ مع صدور نظام خاص بالمستخدمين، ونظام لتأديب الموظفين، الأمر الذي يؤكد الاهتمام بشمولية نظام الخدمة المدنية في المملكة وتطويره؛ ليتواءم مع المعطيات المستجدة آنذاك .
وقد استمر العمل بنظام الموظفين لعام 1391هـ حتى صدور نظام الخدمة المدنية (المعمول به حاليًا) في عام 1397هـ. (( لقد عالج هذا النظام المفاهيم الحديثة في الخدمة المدنية كمبدأ الجدارة والتعيين، والاهتمام بتصنيف الوظائف، والتركيز على أهمية التدريب كأداة لرفع كفاءة الموظفين في الأجهزة الحكومية. كما تزامن إصدار هذا النظام مع صدور نظام للمستخدمين، ونظام جديد للديوان العام للخدمة المدنية، ونظام لمجلس الخدمة المدنية)).
لقد كان صدور نظام الخدمة المدنية لعام 1397هـ حافزًا على إعادة النظر في تصنيف الوظائف، حيث أكد ذلك من خلال مواد ثلاث، مع مراعاة تدرج عمليات تصنيف الوظائف بما يتفق مع ظروف أنشطة الخدمة المدنية. وتبعًا لذلك، فقد تم تبني خطة ثانية لتصنيف الوظائف بناء على قرار مجلس الخدمة المدنية رقم (440) في 20/4/1401هـ. وقد ركزت هذه الخطة على مجموعة من الأسس والمبادئ المهمة التي لم يكن مأخوذًا بها من قبل، مثل شمول تصنيف الوظائف لجميع المراتب، وفتح المجال لبعض الفئات المهنية كالطب والهندسة؛ لتصل إلى المراتب العليا. لقد حدد نظام تصنيف الوظائف الجديد المجموعات العامة للوظائف بعشر مجموعات، بحيث تشمل كل مجموعة عامة عددًا من المجموعات النوعية، وكل مجموعة نوعية تحتوي على عـدد مـن سلاسل الفئات، وكل سلسلة فئة تضم عددًا من الفئات، بحيث يتم تحديد مستويات الفئات والمؤهلات العلمية والعملية المناسبة لكل فئة. على أن توسع نطاق الخدمة المدنية الذي تلازم مع توسع الأجهزة الإدارية، وتأثير التقنية الحديثة في الوظيفة السعودية وتنوعها، وما ترتب على ذلك من زيادة عدد الوظائف والموظفين، وتنوع مجالاتها وتنوع التخصصات العلمية، كل ذلك أدى إلى إعادة النظر في خطة التصنيف ودراستها؛ لتتواءم مع معطيات الوضع الجديد للوظائف السعودية .
لقد قام الديوان العامة للخدمة المدنية بإجراء الدراسات المكثفة على وظائف الخدمة المدنية خلال الفترة من عام 1405هـ إلى عام 1410هـ، وكانت نتيجة هذه الدراسات صدور دليل شامل لتصنيف الوظائف في الخدمة المدنية يتكون من ستة أجزاء، وتم تعميمه على الأجهزة الحكومية وتطبيقه بتاريخ 12/1/1415هـ، كما تمت طباعة هذا الدليل بجميع أجزائه بشكل متميز في عام 1419هـ. وعلى الرغم من أن خطة التصنيف الجديدة تتماثل في بعض جوانبها مع خطة تصنيف عام 1401هـ، وخاصة ما يتعلق بعدد المجموعات العامة (عشر مجموعات)، إلا أن هناك اختلافًا ملحوظًا بين الخطتين فيما يتعلق بعدد المجموعات النوعية، حيث كان عددها في خطة عام 1401هـ (51) مجموعة، في حين بلغ عددها في خطة عام 1415هـ (58) مجموعة، إلى جانب ذلك، فقد كان الاختلاف بين الخطتين ماثلاً  في سلاسل الفئات، حيث كان عددها في خطة عام 1401هـ (222) سلسلة، في حين بلغ عددها في خطة عام 1415هـ (562) فئة [16] .
من الاستعراض السابق لتطور مجال شؤون الموظفين، يتبين لنا أهمية التعليمات والأنظمة الواردة في هذا الشأن، حيث تمثل أحد المداخل الرئيسية التي استندت إليها جهود الإصلاح الإداري في تحسين  شؤون الخدمة المدنية وتطويرها في المملكة. وهذا المجال المتعلق بشؤون الخدمة المدنية أو الموظفين، على الرغم من الجهود المتواصلة لتطويره، سيظل واحدًا من بين أكثر مجالات الإدارة التي تتطلب على الدوام جهودًا حثيثة من الدراسة والتحسين، وذلك نظرًا للتغييرات المتلاحقة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في مجال التوظيف أو الخدمة المدنية بشكل عام، الأمر الذي يفرض التغيير في طبيعة أنظمة الخدمة المدنية، سواء أكان هذا التغيير في الكم أم في النوع .

ثانيًا: الخبرة الأجنبية

إذا كانت التعليمات والأنظمة تمثل أحد المداخل الرئيسية التي اعتمدت عليها جهود الإصلاح الإداري في المملكة في تجربتها الطويلة في مجالي الشؤون المالية وشؤون الموظفين (وبالطبع المجالات الإدارية الأخرى)، فإن الاستعانة بالخبرة الأجنبية من أجل تسيير حركة الإصلاح الإداري لا تقل عن سابقتها أهمية، بل يمكن القول إن كلا المدخلين - مدخل التعليمات والأنظـمة، ومدخل الخبرة الأجنبية  -يكمل الآخر، بل قد يدفع كلٌّ  منهما إلى ظهور الآخر .
لقد اتجهت الدولة السعودية منذ وقت مبكر نحو الاستعانة بالخبرة الأجنبية في مجالات النظام والتنظيم، سواءً أكانت هذه الاستعانة في شكل أفراد أم منظمات من داخل الوطن العربي ومن خارجه، الأمر الذي أدى إلى متانة واتساق التجربة السعودية في مجال الإصلاح الإداري. لقد كانت الدوافع لهذه الاستعانة تفرضها ظروف النشأة الحديثة والظروف المالية الصعبة في بداية تكوين الدولة السعودية، كما فرضتها أيضًا ظروف النمو والتوسع والرخاء الاقتصادي فيما بعد. وفي هذا الصدد يقول صافي إمام موسى: (( لئن كان اقتصاد الكفاف الذي كانت تعيشه المملكة في ذلك الوقت هو الذي جعل هذه المشكلة هامة وملحة، إلا أن اقتصاد الوفرة والنماء في ظل تدفق الثروة البترولية لم يقلل بأي حال  من الأحوال من أهميتها وإلحاحها; وذلك لأنه كان حتمًا على الدولة أن تزيد من وظائفها، وأن توسع من نشاطاتها وخدماتها لإشباع الآمال المتعاظمة للجميع ))[17] .
لقد جاءت بواكير المحاولات الأولى للاستعانة بالخبرة الأجنبية في مجال الإصلاح الإداري في المملكة في عام 1351هـ، وذلك إبان الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على كثير من دول العالم آنذاك، ومن بينها المملكة العربية السعودية. لقد استعانت الدولة في تلك الفترة بخبير هولندي يدعى "فان لي ون" - الذي كان قبل ذلك ممثلاً للشركة التجارية الهولندية في جدة - ليتولى منصب مستشار وكالة المالية العامة. وقد تحددت مهمة هذا الخبير في دراسة الوضع المالي للحكومة، وتقديم تقارير عن أوجه الإصلاح التي يرى إدخالها على إدارتها .
وقد قدم الخبير الهولندي تقريره بعد ستة أشهر من تعيينه، حيث تضمن تقريره بعض الإصلاحات المتعلقة بشؤون الجمارك والإجراءات المالية المتبعة،  والأجهزة الإدارية القائمة بالأمور المالية. وعلى الرغم من أن الكثير من مقترحات هذا الخبير الهولندي لم يتم الأخذ بها في تلك الفترة، إلا أنه يمكن القول إن أهم ما نجم عن تقريره - سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة - هو رفع مستوى وكالة المالية العامة إلى درجة وزارة، وصدور نظام مالي يعكس توجهات الإصلاح المالي في ذلك الوقت، حيث أصبحت وزارة المالية بذلك مسؤولة عن تنظيم  أموال الدولة وحفظها [18] .
على أن اتساع نطاق الدولة في مرحلة البناء ما بين عامي 1373هـ – 1389هـ، وما ترتب على ذلك من ازدياد في عدد الوزارات والإدارات المستقلة الأخرى، والتوسع في الخدمات التي تقدمها الدولة للموظفين نتيجة للتوسع في إنتاج البترول بعد الحرب العالمية الثانية، كل ذلك أدى إلى مشكلات جديدة ساهمت في تقصير الأجهزة الحكومية عن القيام بالمهمة الجديدة الموكلة إليها[19]. وهذا الوضع يصفه المؤرخ الإداري الكبير لتطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية محمد توفيق صادق (1385هـ) بقوله: (( لقد تطلب إحداث الوزارات بالإضافة إلى عدد من الإدارات المستقلة، وإحداث وظائف كثيرة متنوعة تتطلب موظفين مؤهلين تتوافر فيهم إمكانيات وكفاءات خاصة، ولم تتمكن الدولة من توفير جميع الموظفين اللازمين لمواجهة أعباء ومسؤوليات الوزارات والإدارات الحكومية التي كانت تستجد بصفة مستمرة، وفي نفس الوقت واجه الموظفون القدامى أعباء ومسؤوليات لا عهد لهم بمثلها من قبل … وفي هذه الأثناء، عندما كان الجهاز يواجه أعباء ومسؤوليات جديدة تحتاج إلى موظفين مؤهلين، كما تتطلب تنظيمات وأساليب جديدة في العمل، ولم يتمكن الجهاز من توفير الموظفين واستبدال أساليب العمل بأساليب حديثة تنسجم مع الأعباء والمسؤوليات الجديدة، وعجز الجهاز عن التكيف وفق الغايات الجديدة، ظهرت "الفجوة الإدارية"، وأخذت هذه الفجوة في الاتساع، وابتدأ شبح تدهور الإدارة وعجزها عن مواجهة التحديات يتبلور بصورة واضحة سنة بعد سنة ))[20] .
هذا القصور في الأجهزة الإدارية بلغ ذروته في عام 1376هـ عندما واجهت الدولة عجزًا ماليًا خطيرًا جعلها في وضع مالي صعب. هذه الأزمة المالية دفعت مجلس الوزراء في عام 1377هـ إلى دراسة الوضع المالي والإداري، ووجد أن الجهاز بحاجة إلى إعادة تنظيم شامل، وتبعًا لذلك فقد تم التوجه إلى الاستعانة بالخبرة الأجنبية، وبخاصة المنظمات الدولية، وذلك بغرض المساهمة في معالجة المشكلات الإدارية والمالية التي كانت تواجهها الدولة، حيث كان لنتائج هذه المساعدة دور بارز في عملية الإصلاح الإداري في المملكة .
لقد كانت البداية الحقيقية للاستعانة بالمنظمات الدولية في معالجة المشكلات الإدارية والمالية في عام 1376هـ، وذلك عندما وجهت الحكومة دعوة إلى صندوق النقد الدولي لإرسال بعثة تقوم بدراسة الأوضاع في المملكة، وتقديم التوصيات اللازمة لحل هذه الأزمة. وقد استجاب الصندوق لطلب المملكة، وأرسل بعثة تضم ستة من الخبراء الاقتصاديين؛ حيث قاموا بدراسة الوضع المالي، وقدموا تقريرًا ضم عددًا من التوصيات التي تهدف إلى القضاء على العجز المالي، ووضع رقابة على الصرف. هذه التوصيات تضمنت وضع قيود مؤقتة لحل مشكلة تدهور الريال، وتخفيف الديون العامة على الدولة، وإعادة تنظيم مؤسسة النقد السعودي، والتحول من النظام المعدني إلى النظام الورقي للعملة، وتطوير النظام المالي ونظام الميزانية من خلال وضع ميزانية سنوية متوازنة، مع ضرورة وضع خطة للتنمية الاقتصادية .
لقد برهنت نتائج الدراسات والتوصيات التي قدمتها بعثة الصندوق الدولي على أهمية دور الخبرة الدولية في جهود الإصلاح الإداري في المملكة، الأمر الذي دفع أصحاب القرار في المملكة إلى الاستعانة مرة أخرى بخبرة البنك الدولي للإنشاء والتعمير. فلقد طلبت الحكومة السعودية من البنك في عام (1380هـ) المساعدة على وضع خطة اقتصادية تهدف لتنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد على إيرادات البترول بشكل رئيس. وقد لبى البنك الدولي للإنشاء والتعمير طلب المملكة؛ حيث أرسل ثلاثة خبراء، قاموا بدورهم بدراسة الوضع الاقتصادي والإداري في المملكة، وقدموا تقريرهم الذي تضمن عددًا من التوصيات تمثلت في إنشاء جهاز مركزي للتخطيط مرتبط برئاسة مجلس الوزراء; لوضع خطط التنمية الاقتصادية والإشراف على تنفيذها، وضرورة إعادة تنظيم الجهاز الحكومي وتنميته، وإيجاد قوى عاملة وطنية مؤهلة، كما نصح فريق البنك الدولي الحكومة السعودية بضرورة الاستعانة بالأمم المتحدة لدراسة الوضع الإداري في الأجهزة الحكومية، وتقديم التوصيات اللازمة لتطويره .
وقد لقيت نصيحة البنك الدولي قبولاً  لدى حكومة المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالاستعانة بالأمم المتحدة، حيث طلبت من لجنة التعاون الفني في الأمم المتحدة إرسال خبير لدراسة الوضع الإداري في المملكة. واستجابت أيضًا هيئة الأمم المتحدة لطلب المملكة، وأرسلت خبيرًا لدراسة الوضع الإداري في الأجهزة الحكومية، حيث وصل هذا الخبير في عام (1380هـ)، ودرس الوضع الإداري، وقدم تقريره الذي تضمن توصياته بضرورة إعادة تنظيم الجهاز الإداري، وذلك بدمج الأجهزة المتشابهة، وتعديل أنظمة الرقابة المالية ونظام الممثلين الماليين بوزارة المالية ونظام الخدمة المدنية، وتبسيط الإجراءات الحكومية خاصة ما يتعلق منها بمجالي المشتريات الحكومية والمستودعات. على أن أبرز توصيات هذا الخبير جاءت في الدعوة إلى إنشاء معهد للإدارة العامة لتدريب موظفي الدولة، وقد تم ذلك بصدور المرسوم الملكي رقم (93) في شهر شوال 1380هـ .
لقد شكل إنشاء معهد الإدارة العامة منعطفًا جديدًا في مسيرة الإصلاح الإداري، حيث تمثل ذلك في قيامه بطلب لجنة التعاون الفني للأمم المتحدة إعارة خبيرها آنذاك في المملكة الدكتور/ محمد توفيق رمزي، ثم طلبت المملكة من لجنة المساعدات الفنية مدها بخبير دائم كمستشار للمعهد، غير أن هذا الأمر لم يتحقق إلا في عام 1383هـ بوصول الخبير الباكستاني (الكولونيل شاه) الذي كان رئيس مجلس الخدمة المدنية في الباكستان، وقد عمل كمستشار للمعهد على حساب مؤسسة (فورد)؛ حيث كان لوصوله إسهام كبير في بدء عملية الإصلاح الإداري الكبرى التي انطلقت بوادرها في نفس العام .
فلقد اقترح مدير عام المعهد في تلك السنة (1383هـ) تكوين لجنة للإصلاح الإداري; وذلك من أجل دراسة المشكلات التي تواجه الأجهزة الحكومية، واقتراح الحلول الممكنة لها، إلى جانب اقتراح خطة لتنفيذ هذه الحلول. وقد لقيت هذه الفكرة قبولاً كبيًرا لدى الخبير الباكستاني (الكولونيل شاه) الذي اقترح على المعهد على الفور الاستعانة بفريق من مؤسسة (فورد) للقيام بهذه الدراسة. وتم بالفعل طلب المساعدة من مؤسسة (فورد) لتطوير الجهاز الإداري، وتمت الاستجابة لهذا الطلب، حيث تشكل بعد ذلك فريق من خبراء مؤسسة (فورد) برئاسة (الكولونيل شاه) الذي قام بدراسة الوضع الإداري في المملكة، واقترح إعادة تنظيم شامل للجهاز الإداري السعودي .
لقد شرع فريق الدراسة من مؤسسة فورد في دراسة الوضع الإداري في المملكة عام 1384هـ، وذلك من خلال خمسة فرقاء عمل. الفريق الأول كان معنيًا بموضوع شؤون الموظفين، وقد قدم عدة اقتراحات في هذا الصدد تركزت جلها حول إعادة تنظيم نظام الموظفين العام وما يرتبط به من قضايا التصنيف والرواتب والمكافآت. والفريق الثاني تركزت مهمته حول إعادة تنظيم الأجهزة الحكومية، وتبسيط إجراءات العمل وتطويرها، وكان أبرز مقترحاته ممثلاً  في إنشاء جهاز مركزي للتنظيم والإدارة. والفريق الثالث، وهو فريق الشؤون المالية الذي قدم أربعة مقترحات تتعلق بتحسين نظام الميزانية وأساليب إعدادها وتنفيذها، وتعديل النظام المحاسبي، كما اقترح نظامًا جديدًا لديوان المراقبة ومهماته، وأخيرًا اقتراحه المتعلق بإنشاء إدارة مركزية للمشتريات المركزية. أما الفريق الرابع فقد تمثلت مهمته في مساعدة معهد الإدارة العامة على تصميم برامجه التدريبية. والفريق الخامس والأخير هو فريق الأشغال العامة الذي أنهى أعماله باقتراح إنشاء مصلحة مركزية للأشغال العامة. لقد قدمت هذه الفرق تقاريرها في فترات تراوحت بين عامي (1385هـ) و(1388هـ)، وكان لتقاريرها عظيم الأثر في دفع حركة الإصلاح الإداري في المملكة، ولا تزال آثارها الإيجابية في تطوير الوضع الإداري ماثلة إلى يومنا هذا [21] .
وهكذا يتبين لنا من خلال عرض دور الخبرة الأجنبية في عملية الإصلاح الإداري في المملكة مدى إسهامها في تحسين الوضع الإداري وتطويره، سواء أكان ذلك على مستوى دفع عملية النظم والتعليمات، أم في مجال التنظيم وتبسيط الإجراءات، أم في مجال تدريب  القوى العاملة المدربة وتأهيلها، واقتراح البرامج التدريبية الملائمة لإمداد الأجهزة الحكومية بالكفاءات السعودية. لقد أسهمت الخبرة الأجنبية إسهامًا كبيرًا في تجربة الإصلاح الإداري في المملكة، حيث وطدت دعائم تقنين العمل الإداري وتطويره، وذلك من خلال المقترحات الإيجابية التي قدمتها في هذا الصدد .

ثالثًا: الخبرة السعودية

عندما تذكر جهود الخبرة السعودية في مجال الإصلاح الإداري فإن اسم اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المساعدة، ومعهد الإدارة العامة ستكون من بين أسماء المؤسسات السعودية التي يشار إليها في هذا المجال. ذلك أن الإسهامات التي تقوم بها هذه اللجنة ومعهد الإدارة العامة، بالإضافة إلى الإسهامات الأخرى التي تقوم بها الجامعات السعودية والديوان العام للخدمة المدنية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، قد شكلت في مجملها محاور عملية لتأطير جهود الإصلاح الإداري وتنفيذها في مرحلة ما بعد الاستعانة بالخبرات الأجنبية، وإن لم تلغها بالتأكيد. على أن اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المساعدة، بالإضافة إلى معهد الإدارة العامة، ربما يتميزان عن غيرهما من المؤسسات السابقة - فيما يتعلق بجهود الإصلاح الإداري - بكونهما المعنيين مباشرة بهذه المهمة أكثر من غيرهما، وذلك من حيث الدور الذي أنيط بكل منهما، سواء فيما يتعلق بالدراسات الاستشارية، أو التقارير، أو التدريب والبحوث، فضلاً عن احتضان معهد الإدارة العامة للأمانة العامة للجنة العليا للإصلاح الإداري .
لهذا فإننا في عرضنا لجهود الخبرة السعودية في مجال الإصلاح الإداري سوف نقتصر على دور كل من اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المساعدة، والإدارة العامة للاستشارات بمعهد الإدارة العامة، وذلك كأمثلة على واقع مساهمة الخبرة السعودية في عملية الإصلاح الإداري في المملكة خلال مائة عام .
1- اللجنة العليا للإصلاح الإداري :
تعود جذور نشأة اللجنة العليا للإصلاح الإداري إلى المبادرة التي قام بها مدير عام معهد الإدارة العامة في عام 1383هـ، حيث اقترح تشكيل لجنة للإصلاح الإداري مكونة من ممثلين لوزارة المالية وديوان الموظفين العام ومعهد الإدارة، مع بعض خبراء الإدارة في الأجهزة الحكومية; وذلك من أجل دراسة المشكلات التي تواجهها هذه الأجهزة، وتقديم الحلول المناسبة لها[22]. وقد لقي هذا الاقتراح قبولاً من لدن المستشار الباكستاني الموجود في المعهد آنذاك (الكولونيل شاه) الذي أشار بدوره إلى الاستعانة بفريق من مؤسسة (فورد) لدراسة الوضع الإداري في المملكة. وقام خبراء مؤسسة (فورد) بدراسة مشكلات الإدارة في المملكة وقدموا تقريرًا بأهم ملاحظاتهم عن هذه المشكلات، مقرونًا باقتراحات معينة لتحسين الوضع الإداري في المملكة، كان من بينها اقتراح تكوين لجنة الإصلاح الإداري. وقد رفع صاحب السمو وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك هذا الاقتراح إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء بخطابه المؤرخ في 14/5/1383هـ، حيث صدر بناء على ذلك قرار مجلس الوزراء رقم (025) وتاريخ 5/7/1383هـ الذي نص البند الأول منه على: (( تكوين لجنة عليا من أعضاء مجلس الوزراء تحت رئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء ))، كما نص البند الثالث من القرار نفسه على تشكيل هذه اللجنة، والذي جرت عليه عدة تعديلات كان آخرها عام 1411هـ، وفقًا لقرار مجلس الوزراء رقم (99) وتاريخ 14/6/1411هـ القاضي بالموافقة على اقتراح صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام بإعادة تشكيل اللجنة بحيث تكون مشكلة من:
خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء          رئيساً
وزير المالية والاقتصاد الوطني                               نائبًا للرئيس
وزير التخطيط                                                     عضوًا
وزير الدولة ورئيس الديوان العام للخدمة المدنية    عضوًا
اثنان من وزراء الدولة                                          عضوًا
أما فيما يتعلق بمهمات  اللجنة وصلاحياتها، فقد حددها البند الرابع من قرار مجلس الوزراء نفسه رقم (520) وتاريخ 5/7/1383هـ، وذلك على النحو التالي :
تختص هذه اللجنة باتخاذ جميع الإجراءات التي تحقق إصلاح الجهاز الإداري، وتكون قراراتها واجبة التنفيذ في حدود ما يقضي به هذا القرار.
كما نص البند الخامس من القرار نفسه على أن يفوض مجلس الوزراء هذه اللجنة في ممارسة اختصاصاته المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (25) من نظام مجلس الوزراء فيما يتعلق بإحداث  المصالح العامة وترتيبها.
فإذا كان الإحداث والترتيب يمس مجموعة من قـطاعات الدولة وأجهزتها، فيكون قرارها نافذًا بمقتضى إصداره، إلا إذا قدرت اللجنة ضرورة عرض  الأمر على مجلس الوزراء لإحاطته بالقرار قبل إصداره، أو أخذ رأي أعضاء مجلس الوزراء مقدمًا في موضوع ترى فيه أهمية خاصة. أما إذا كان الإحداث والترتيب يمس وزارة أو مصلحة حكومية معينة بذاتها، فيجب على اللجنة أخذ رأي الوزير أو رئيس المصلحة المعنية، ثم تصدر قرارها بما تراه محققًا للمصلحة العامة. وقرارات اللجنة التي تقتضي تعديل بعض الأنظمة يجب أن تتخذ طريقها النظامي الواجب .
وللجنة أن تصدر قرارات وتعليمات تعدل أو تلغي القرارات والتعليمات السابقة أو تنشئ أحكامًا إدارية جديدة.
وقد وافقت اللجنة في أول اجتماع لها في 26/7/1383هـ على لائحة عمـلها وإجراءاتها الداخلية الصادرة بقرارها رقم (1) وتاريخ 8/8/1383هـ، وقد نص البند الأول من هذه اللائحة على الآتي :
(أ)  تكون صلاحيات وواجبات اللجنة العليا طبقًا لما جاء بقرار مجلس الوزراء رقم (520) الصادر في 5/7/1383هـ، ومنها ما يلي :
(ب) وضع وإقرار الخطة العامة لتنظيم الإدارة الحكومية وإصدار القرارات والتعليمات اللازمة لتنفيذ الخطة العامة .
(جـ) دراسة وإقرار نتائج التقارير والتوصيات ... المقدمة من قبل اللجنة الإدارية التحضيرية .
(د) دراسة مشروعات الأنظمة الجديدة أو التعديلات على الأنظمة الحالية تمهيدًا لرفعها إلى الجهات المختصة لإصدارها بالطرق النظامية الواجبة، وذلك تنفيذًا لما جاء في قرار مجلس الوزراء آنف الذكر .
(هـ) أخذ رأي مجلس الوزراء بالقرارات التي ترى اللجنة ضرورة عرضها على المجلس لأخذ الرأي فيها، أو لإحاطة المجلس علمًا بها فقط .
(و) إبلاغ الوزارات والمصالح الحكومية بواسطة رئيس اللجنة بالقرارات والتعليمات الواجبة التنفيذ .
(ز) دعوة المسؤولين في أي وزارة ومصلحة حكومية للاستئناس برأيهم فيما هو معروض على اللجنة من تقارير وتوصيات .
(ح) دراسة وإقرار الخطة العامة لمراقبة وتتبع تنفيذ القرارات التي تصدرها اللجنة، وتبلغ للإدارات الحكومية .
(ط) اتخاذ جميع الإجراءات التي تحقق بصفة مباشرة أو غير مباشرة إصلاح الجهاز الإداري الحكومي، أو التي من شأنها تسهيل تحقيق هذا الإصلاح .ومن أجل تسهيل مهمة أعضاء اللجنة العليا للإصلاح الإداري في الوصول للقرارات المناسبة فيما يعرض عليهم من تقارير ودراسات، فقد نص قرار مجلس الوزراء نفسه رقم (520) وتاريخ 5/7/1383هـ المنشئ للجنة، في البند السادس منه، على إنشاء لجنة من كبار الموظفين المسؤولين عن النواحي الإدارية في الجهاز الحكومي، أطلق عليها مسمى اللجنة الإدارية التحضيرية، وتتكون هذه اللجنة في الوقت الراهن حسب قرار مجلس الوزراء رقم (465) وتاريخ 24/25/6/1391هـ من :
- مدير عام معهد الإدارة العامة                                               رئيسًا
- نائب رئيس الديوان العام للخدمة المدنية لتطوير الخدمة              عضوًا
- مدير عام الإدارة المركزية للتنظيم والإدارة                               عضوًا
حدد الباب الرابع من لائحة عمل اللجنتين العليا والإدارية التحضيرية الصادرة بقرار اللجنة العليا رقم (1) وتاريخ 8/8/1383هـ، مهمات اللجنة الإدارية التحضيرية، وذلك على النحو التالي :
(أ)  مناقشة ودراسة كافة التقارير والمواضيع وإبداء الملاحظات عليها، وإعداد التوصيات اللازمة بشأنها; تمهيدًا لعرضها على اللجنة العليا للإصلاح الإداري .
(ب) دعوة المسؤولين في الوزارات والمصالح الحكومية; وذلك للاستئناس بآرائهم في بعض المواضيع المطروحة على اللجنة العليا للإصلاح الإداري، إذا رأت أن هناك حاجة لذلك .
(جـ) الاتصال بالوزارات والمصالح الحكومية مباشرة أو عن طريق أمانة اللجنة للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة .
(د)  رفع أي توصيات ومقـترحات أو خطط إلى اللجنة العليا للإصلاح الإداري، ترى أن من شأنها تسهيل مهمة تنفيذ برامج الإصلاح الإداري لجهاز الدولة بوجه عام .
ولما كانـت اللجنة الإدارية التحضيرية، كما هو واضح من مهماتها، لا تقوم بإجراء الدراسات بصفة مباشرة، فقد تم تشكيل أمانة عامة للجنة العليا للإصلاح الإداري (مكتب للسكرتارية) بقرار اللجنة العليا للإصلاح الإداري رقم (2) وتاريخ 12/9/1383هـ، مكون من اثنين من موظفي المعهد ليعملا متفرغين، كما نص القرار على تخصيص أحد خبراء الإدارة العامة مستشارًا بمكتب الأمانة .
وتضم الأمانة في الوقت الحاضر عددًا من المختصين جميعهم من السعوديين، وهم من أعضاء هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة، ويمارسون كافة الأنشطة الأخرى بالمعهد من تدريب وبحوث واستشارات، إلى جانب عملهم بأمانة اللجنة .
وتقوم الأمانة العامة بعدد من المهمات المنبثقة عن اختصاص اللجنتين العليا والإدارية التحضيرية، وهذه المهمات على النحو التالي:
- القيام بأعمال السكرتارية الخاصة للجنتين العليا والإدارية التحضيرية، بما في ذلك إعداد محاضر الجلسات، وتسجيل الملاحظات والآراء، وتنظيم الملفات والأوراق، وكافة أعمال السكرتارية الأخرى .
- تحضير الوثائق والبيانات والمعلومات التي تستلزمها أعمال اللجنتين .
- الاتصال بالمسؤولين في الوزارات والمصالح وغيرهم ممن تود إحدى اللجنتين دعوتهم، وإحاطتهم بالغرض من الاجتماع .
- إعداد التقارير والدراسات التي تعرض على اللجنتين العليا والتحضيرية، ويدخل في ذلك القيام بزيارات ميدانية للوزارات والمصالح الحكومية ذات العلاقة بالدراسات; لأغراض جمع المزيد من المعلومات، واستطلاع آراء ذوي الاختصاص بالموضوع .
- إعداد قرارات اللجنة العليا للإصلاح الإداري تمهيدًا لرفعها إلى المقام السامي [23].
لقد باشرت اللجنة العليا للإصلاح الإداري دورها في عملية الإصلاح الإداري منذ وقت مبكر، حيث عقدت أول اجتماع لها مساء يوم الخميس 26/7/ 1383هـ برئاسة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك، ثم توالت اجتماعاتها بعد ذلك، حيث بلغ عدد الاجتماعات بنهاية عام 1419هـ (144) اجتماعًا، كما بلغ عدد القرارات الصادرة عنها حتى نهاية 1419هـ (232) شملت مجالات مختلفة مثل: التنظيم وإعادة التنظيم، والوظائف وشؤون الموظفين، والأنظمة واللوائح، وإنشاء وحدات جديدة أو إلغاء وحدات قائمة، وتنظيم ساعات الدوام الرسمي، وإيجاد حلول لتداخل الاختصاصات بين الأجهزة الحكومية، والشؤون المالية والميزانية، والإجراءات الإدارية، وقرارات أخرى متنوعة. ويوضح الجدول رقم (1) عدد القرارات الصادرة في كل مجال من هذه المجالات .
الـجــدول رقـــم (1). عــدد القـــــرارات التي صـــدرت عن اللجنة العليا للإصــــلاح الإداري فـي الفــترة من 8/8/1383هـ حتى نهاية عام 1419هـ.

التسلسل مجالاتها عدد القرارات
1  تنظيم وإعادة تنظيم 115
2 وظائف وشؤون موظفين 55
3 أنظمة ولوائح 8
4 إنشاء وحدات جديدة أو إلغاء وحدات قائمة 27
5 تنظيم ساعات الدوام الرسمي 10
6 إيجاد حلول لتداخل الاختصاصات بين الأجهزة الحكومية 4
7 شؤون مالية وميزانية 2
8 إجراءات إدارية 1
9 قرارات أخرى متنوعة 10
المجموع 232

 
 
ومما تجدر ملاحظته أن إنشاء مجلس الخدمة المدنية عام 1397هـ وتوليه الأمور الخاصة بشؤون الخدمة المدنية حسب ما جاء في المادة الأولى من نظامه، قد أدى إلى تقليص نسبة القرارات الصادرة عن اللجنة العليا للإصلاح الإداري .
أما فيما يتعلق باللجنة الإدارية التحضيرية فقد قامت منذ إنشائها وحتى نهاية عام 1419هـ بمناقشة ودراسة العديد من المواضيع التي غطت مختلف أوجه الأنشطة الإدارية المتصلة بجهاز الدولة في المملكة، وقد أسفرت تلك الدراسات عن إعداد (334) تقريرًا موزعة سنويًا على النحو الوارد في الجدول رقم (2) .
الجدول رقم (2). عدد التقارير التي أنجزتها اللجنة الإدارية التحضيرية سنويًا من 5/8/1383هـ حتى نهاية عام 1419هـ

السنة عدد التقارير السنة عدد التقارير
1383هـ 4  1401هـ 10
1384هـ 9 1402هـ 13
1385هـ 6 1403هـ 17
1386هـ 5 1404هـ 15
1387هـ 5 1405هـ 14
1388هـ 5 1406هـ 10
1389هـ 4 1407هـ 11
1390هـ 1 1408هـ 14
1391هـ 2 1409هـ 5
1392هـ 10 1410هـ 6
1393هـ 27 1411هـ 10
1394هـ 19 1412هـ 6
1395هـ 14 1413هـ 15
1396هـ 16 1414هـ 7
1397هـ 2 1415هـ 3

 
 
تابع  الجدول رقم (2).

السنة عدد التقارير السنة عدد التقارير
1398هـ 10 1416هـ 1
1399هـ 10 1417هـ 6
1400هـ 23 1418هـ 5
1419هـ 2    
إجمالي عدد التقارير 334

 
وأخيرًا، فيما يتصل بالدراسات التي أنجزتها الأمانة العامة للجنة العليا للإصلاح الإداري، فقد بلغت (397) دراسة موزعة حسب سنوات خطط التنمية الخمسية، كما يوضحها الجدول رقم (3) .
الـجــــدول رقم (3). الدراسات التي أنـجــزتها الأمانة العامة للجـــنة العليا للإصلاح الإداري موزعة حسب سنوات خطط التنمية الخمسية.

خطة التنمية الخمسية عدد الدراسات
ما قبل خطط التنمية: 1382-1390 هـ 38
خطة التنمية الأولى: 1390-1395هـ 64
خطة التنمية الثانية: 1395-1400هـ 57
خطة التنمية الثالثة: 1400- 1405هـ 88
خطة التنمية الرابعة: 1405- 1410هـ 66
خطة التنمية الخامسة: 1410-1415هـ 39
خطة التنمية السادسة (السنوات الأربع الأولى): 1416هـ، 1417هـ، 1418هـ، 1419هـ 45
المجموع 397

 
وهكذا يتبين لنا من إنجازات اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المساعدة الدور الكبير الذي قامت به في عملية الإصلاح الإداري خلال بناء  المملكة العربية السعودية ونمائها. هذا الدور كان واضحًا بشكل جلي في طبيعة القرارات التي صدرت عنها، والمتعلقة بتنظيم وإعادة التنظيم الإداري للعديد من الأجهزة الحكومية العامة، والتي شملت مجالات متعددة مثل: الشؤون المحلية والمالية والاقتصادية والأمنية والصحية والزراعية والنقل والموظفين. وإلى جانب التنظيم، وإعادة التنظيم فقد ساهمت اللجنة العليا وأجهزتها المساعدة على دراسة وتبسيط العديد من إجراءات وأساليب ونماذج العمل في العديد من المجالات التي من بينها: التراخيص البلدية والإعلامية والطبية والصيدلية والصناعية والتجارية والسير والقيادة المرورية، إلى جانب مجالات أخرى، مثل الشؤون الاجتماعية والعمالية، وتوثيق عقود بيع  العقارات وشرائها، وتوثيق عقود الأنكحة والإقرارات .
على أن جهود اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المساعدة لم تقتصر على قضايا التنظيم وتبسيط الإجراءات، بل امتدت هذه الجهود لتشمل اقتراح بعض الأنظمة واللوائـح والقواعد المتعلقة بتنظيم شؤون الخدمة المدنية، واعتماد واقتراح بعض القواعد التنفيذية الهادفة إلى رفع مستوى أداء العمل في الأجهزة الحكومية، مثل: اعتماد القواعد التنظيمية الخاصة بإحداث وحدات للتطوير الإداري والمتابعة في الأجهزة الحكومية، واقتراح القواعد التنظيمية الخاصة بإحداث فروع الأجهزة الحكومية في المناطق الإدارية، ثم اقتراح القواعد التنظيمية الخاصة بمسميات ومستويات بعض الوحدات الإدارية، وأخيرًا توحيد تنظيمات الأجهزة الإدارية المتماثلة مثل إمارات المناطق وأمانات المدن [24] .
2- الإدارة العامة للاستشارات
يمثل نشاط الإدارة العامة للاستشارات بمعهد الإدارة العامة القناة الثانية التي من خلالها ساهمت - ولا تزال تساهم - الخبرة السعودية في عملية الإصلاح الإداري في المملكة. فلقد بدأ المعهد في تقديم الاستشارات للأجهزة الحكومية منذ السنوات الأولى لإنشائه، فكانت نقطة الانطلاق لهذا النشاط بتاريخ 16/5/1382هـ، حيث أعدت استشارة تشخيصية عن الوضع التنظيمي لوزارة الشؤون الاجتماعية. ولقد مر نشاط الاستشارات في المعهد بعدة مراحل أملتها ظروف الأجهزة المستفيدة إلى جانب ظروف توافر الخبرة والخبراء السعوديين (وغير السعوديين) الذين يوكل إليهم المعهد تقديم هذه الاستشارات. وهذه المراحل يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات [25] :
(أ) المرحلة الأولى
وهي المرحلة التي تلت بدء المعهد تقديم الاستشارات، وكانت عنايته خلالها موجهة إلى التدريب، ووسائله لتقديم الاستشارات محدودة من حيث التنظيم والوسائل والأساليب، بجانب محدودية حاجة الأجهزة الحكومية للاستشارات. وفي هذه المرحلة كانت الاستشارات تأتي على شكل مشاركة مندوبين من المعهد في عضوية اللجان التي تشكلها الأجهزة الحكومية داخلها لدراسة بعض المواضيع الفنية. وتنتهي مشاركة المعهد بتقديم تلك اللجان توصياتها مباشرة للمسؤول في الجهة المعنية دون وضع أية تقارير مكتوبة عن المواضيع المدروسة.
(ب) المرحلة الثانية
وفيها تطور شكل الاستشارات المقدمة. فإلى جانب استمرار المشاركة في اللجان وفقًا للمرحلة الأولى، يكلف مندوبون من المعهد بدراسة بعـض المواضيع بشكل مستقل يحكمه تأهيلهم العلمي وخبرتهم العملية، ويتم ذلك داخل المعهد، وبإشراف وتوجيه مباشر منه. وكانت مواضيع الاستشارات في هذه المرحلة تتصف بالبساطة، وتنحصر في تنظيم إجراءات العمل المكتبية. أما النتائج فتأخذ شكل التوصيات الميدانية التي تقدم مباشرة للمسؤولين في الأجهزة المستفيدة، أو تطبق عمليًا بواسطة الموظفين القائمين بالعمل موضوع الدراسة، وتحت إشراف الاستشاريين المكلفين من المعهد .
(جـ) المرحلة الثالثة
وهي المرحلة التي تطور فيها نشاط الاستشارات ليصل إلى الوضع الذي هو عليه في الوقت الحاضر من حيث التنظيم، والكفاءات، والوسائل، والأساليب، والنتائج. ففي هذه المرحلة أصبح باستطاعة المعهد تقديم خدمات استشارية مهنية رسخت ثقة الأجهزة الحكومية في تخصصه وقدراته، بحيث قلّ توجهها إلى الشركات أو المكاتب الاستشارية الأجنبية فيما تحتاج إليه من استشارات، بل أصبحت تلك الأجهزة تحيل إلى المعهد نتائج ما تقدمه لها تلك الشركات أو المكاتب من استشارات; من أجل دراستها وتقييم نتائجها.
وقد بلغ مجموع الاستشارات التي قدمت منذ بدء نشاط الاستشارات سنة 1382هـ حتى نهاية سنة 1419هـ (1301) استشارة؛ غطت ثلاثة عشر موضوعًا، تمثلت في الاتصالات والمعلومات، والإجراءات وطرق العمل، والأنظمة واللوائح، والتدريب والتنظيم والأساليب، والحاسب الآلي، والقوى العاملة، والمالية العامة والميزانية، والمشتريات والمستودعات، والمصغرات الفيلمية، والمكتبات والوثائق، والوظيفة العامة، بالإضافة إلى مواضيع عامة أخرى. ويوضح الجدول رقم (4) توزيع عدد الاستشارات التي قدمها المعهد موزعة حسب سنوات خطط التنمية الخمسية .
الجدول رقم (4). عدد الاستشارات التي قدمها المعهد موزعة حسب سنوات خطط التنمية الخمسية.

خطط التنمية الخمسية عدد الاستشارات
ما قبل خطط التنمية: 1382 – 1390  86
خطة التنمية الأولى: 1390- 1395هـ  102
خطة التنمية الثانية: 1395- 1400هـ 162
خطة التنمية الثالثة: 1400 – 1405هـ 290
خطة التنمية الرابعة: 1405 – 1410هـ 291
خطة التنمية الخامسة: 1410 – 1415هـ 200
خطة التنمية السادسة (السنوات الأربع الأولى): 1416هـ، 1417هـ، 1418هـ، 1419هـ 188
المجموع    1301  

 
لقد كانت الأجهزة الحكومية هي المستفيد الأول من نشاط الاستشارات، سواء كانت وزارات، أم أجهزة مركزية، أم مؤسسات أم مشاريع عامة، حيث بلغ عدد هذه الجهات المستفيدة أكثر من (180) جهة. وقد كانت نتيجة هذه الاستشارات تحسين  الوضع الإداري وتطويره في الكثير من الأجهزة الحكومية في المملكة. بل يمكن القول إن الأجهزة التي استفادت من خدمات الاستشارات التي قدمها ويقدمها معهد الإدارة العامة من خلال الخبرات الوطنية الموجودة فيه، والتي تقوم على تنفيذ هذه الاستشارات، هي من أكثر الجهات التي تسعى دائمًا إلى طلب المساعدة؛ لتطوير أوضاعها الإدارية بما يتلاءم ومتطلبات التنمية [26] .
وهكذا من خلال عرضنا للجهود التي قدمتها اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المسـاعدة والإدارة العامة للاستشارات بمعهد الإدارة العامة، يتضح لنا الدور الكبير الذي أسهمت به الخبرة السعودية المحلية في عملية الإصلاح الإداري عبر مسيرة تأسيس  الوضع الإداري وتطويره في المملكة العربية السعودية. فلقد كان هذا الإسهام ماثلاً، كما لاحظنا سلفًا، في: شؤون التنظيم وإعـادة التنظيم، وتبسيط الإجراءات والقواعد، والقوى العاملة، والشؤون المالية، والتقنية الحديثة، الأمر الذي يمكن اعتباره أحد الشواهد الحية على تجربة الإصلاح الإداري في المملكة في تحسين  الوضع الإداري وتطويره في المملكة خلال مائة عام .

خـــاتـمــــة

إن المتتبع لتجربة المملكة العربية السعودية في مجال الإصلاح الإداري خلال المائة عام الماضية من تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية، يدرك على الفور عظم هذه التجربة، من حيث التنوع أو التأثير. لقد واكبت جهود الإصلاح الإداري فتوحات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) في كل مدينة أو منطقة يفتتحها، وذلك قبل أن يستخدم بصفة رسمية مصطلح الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية في بداية عام 1383هـ .
هذه الجهود يمكن أن نلمسها، كما رأينا في ثنايا هذه الورقة، في الكثير من مناحي تكوين قواعد هذا الكيان العظيم وتوطيده؛ حيث كانت ماثلة في التعليمات والأنظمة التي كانت تصدرها حكومة جلالته، أو المجالس التي يتم تشكيلها، أو الأجهزة الإدارية التي يتم إنشاؤها بغرض تسيير  شؤون الدولة وتنظيمها وخدمة المواطن والمقيم .
ولما كانت مجالات الإصلاح الإداري عبر تاريخ المملكة العربية السعودية متنوعة، فقد حاولنا في هذه الورقة أن نبرز هذه التجربة من خلال ثلاثة مداخل أساسية كأمثلة فقط على هذه التجربة وليس حصرًا لها. المدخل الأول كان ماثلاً  في التعليمات والأنظمة التي كانت تصدرها الحكومة السعودية; وذلك بغرض تقنين  أمور الدولة وتوجيهها، وتوضيح مهمات وواجبات موظفي الدولة الذين يترجمون هذه التعليمات والأنظمة إلى واقع حقيقي .
وهذه التعليمات والأنظمة شاملة لكثير من جوانب الإدارة في المملكة بحيث يصعب تغطيتها في مثل هذه الورقة. لهذا فقد اقتصر الحديث هنا، في تجربة المملكة في مجال الإصلاح الإداري، على مجالي الشؤون المالية وشؤون الموظفين باعتبارهما من أبرز المجالات التي حفزت وشهدت ظهور وتعديل الكثير من التعليمات والأنظمة، بما يتواكب ومعطيات كل مرحلة من مراحل نمو  المملكة وتطويرها.
المدخل الثاني، الذي تم من خلاله عرض تجربة المملكة العربية السعودية في مجال الإصلاح الإداري، كان ماثلاً في الاستعانة بالتجربة الأجنبية. لقد لجأت حكومة المملكة العربية السعودية إلى الاستعانة بالخبراء والمؤسسات الأجنبية في دفع عملية الإصلاح الإداري; وذلك إيمانًا من متخذي القرار فيها بأنه لا يمكن التقدم والرقي بمعزل عن الاستفادة من خبرة  الشعوب الأخرى وتجاربها؛ لهذا فقد لجأت المملكة العربية السعودية إلى الاستعانة بعدد من المنظمات الدولية، كان أبرزها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ولجنة التعاون الفني للأمم المتحدة، ومؤسسة فورد. لقد كانت الاستفادة من هذه الخبرة الأجنبية تتم وفق ثقافة  المجتمع السعودي العربي المسلم وقيمه، حيث ظلت هذه القيم - وستظل بإذن الله - سياجًا يحول دون تأثر هذه الأمة بأي قيم أو مبادئ لا تنسجم وسمتها العربية الإسلامية .
وأخيرًا، فقد كانت الخبرة السعودية تمثل المدخل الثالث الذي اعتمدت عليه تجربة المملكة العربية السعودية  في مجال الإصلاح الإداري. هذه الخبرة السعودية ربما كانت - ولا تزال - تمثلها إلى يومنا هذا بشكل قوي قناتان رئيستان هما: اللجنة العليا للإصلاح الإداري والأجهزة المساعدة لها، والإدارة العامة للاستشارات، وكلاهما يمثل نشاطًا رئيسيًا من أنشطة معهد الإدارة العامة .
لقد أثرت هذه الخبرة السعودية في تجربة المملكة العربية السعودية تأثيرًا واضحًا، وذلك من خلال الدراسات والتقارير التي أنجزتها. ولقد شملت دراسات وتقارير اللجنة العليا للإصلاح الإداري وأجهزتها المساعدة والإدارة العامة للاستشارات بمعهد الإدارة العامة، عددًا كبيرًا من المجالات الإدارية المتعلقة بالتنظيم وإعادة التنظيم، وشؤون الموظفين، والأنظمة واللوائح، والشؤون المالية، والقوى العاملة، والإجراءات الإدارية، والتدريب، والحاسب الآلي، والمكتبات والوثائق، وغيرها .
إن الدروس التي يمكن أن نتعلمها من خلال عرض تجربة الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية هو أن هذه التجربة لا تقف عند حد  معين، بل هي تمثل خطًا من التحسين المستمر للوضع الإداري في المملكة. ويمكن القول إن النجاحات التي تحققها الأجهزة والمؤسسات الحكومية على مختلف الجوانب الإدارية بسبب جهود عملية الإصلاح الإداري، ربما تكون باعثًا على التفكير في عملية الإصلاح ; وذلك لما تفرضه هذه النجاحات من متطلبات ومعطيات جديدة تجعل عمليات الإصلاح نهجًا مستمرًا في جهدنا الإداري في القرن المقبل من عمر هذه الأمة .
 
 
 
 
 
 
الهوامش
[1] محمد إبراهيم التويجري. الإصلاح الإداري، (مسقط: معهد الإدارة العامة)، السنة 11، العدد 38 - 39 (1989م)، ص 210.
[2]  انظر كلاً من :
- التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية، أم القرى، العدد (90)، تاريخ 52/2/1354هـ .
- صافي إمام موسى. تجربة المملكة العربية السعودية في الإصلاح الإداري وإعادة التنظيم. الرياض: دار العلوم، 1405هـ، ص ص 72 - 74 .
[3]    انظر كلاً  من :
- صافي إمام موسى، مرجع سابق، ص ص 72 - 74 .
- معهد الإدارة العامة. تطور الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام (1319هـ - 1419هـ، 1902- 1999م). الرياض: مركز الطباعة والنشر بمعهد الإدارة العامة، ص 83، 84 .
[4]  صافي إمام موسى، مرجع سابق، ص 57، 58 .
[5] المرجع السابق، ص ص 92 -94 .
[6] محمد بن عبد الله الغيث. أجهزة الرقابة المالية المركزية، في: محمد بن عبد الرحمن الطويل وآخرون. الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية. الرياض: مطابع معهد الإدارة العامة، 1416هـ، ص ص 230 – 234 .
[7] محمد بن عبد الله الغيث، مرجع سابق، ص ص 244 - 246 .
[8] بابكر الأمير ومحمود الرشيد. تطبيقات عملية في المحاسبة الحكومية في المملكة العربية السعودية، الرياض: مطبعة معهد الإدارة العامة، 1409هـ، ص 7 .
[9] معهد الإدارة العامة. تطور الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام (1319 - 1419هـ، 1902- 1999م)، مرجع سابق، ص 86 .
[10] صافي إمام موسى، مرجع سابق، ص 11 .
[11] عبد الرحمن بن علي الزهراني. مسيرة الشورى في المملكة العربية السعودية. الرياض: مطابع دار الهلال للأوفست، 1419هـ، ص84 .
[12] أحمد بن حماد الحمود. الخدمة المدنية، في: محمد الطويل وآخرون. الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية. الرياض: مطابع معهد الإدارة العامة، 1416هـ، ص ص 175 – 220 .
[13] صافي إمام موسى، مرجع سابق، ص ص 13 - 17 .
[14] أحمد بن حماد الحمود، مرجع سابق، ص 179 .
[15]  صافي إمام موسى، مرجع سابق، ص 23 .
[16] انظر كلاً  من :
- الديوان العام للخدمة المدنية. دليل تصنيف الوظائف في الخدمة المدنية. الجزء الأول، المجلد الأول، 1419هـ، ص ص 13 - 17 .
- أحمد بن حماد الحمود، مرجع سابق، ص ص 181 - 188 .
[17] صافي إمام موسى، مرجع سابق، ص 100 .
[18] محمد توفيق صادق. تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية. الرياض: مطابع نجد التجارية، 1385هـ، ص 75 .
[19] محمد بن عبد الرحمن الطويل. التطور التاريخي للإدارة، في: محمد بن عبد الرحمن الطويل وآخرون. الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية. الرياض: مطابع معهد الإدارة العامة، 1416هـ، 15 .
[20] محمد توفيق صادق، مرجع سابق، ص 194 .
[21] معهد الإدارة العامة. تطور الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام (1319 - 1419هـ، 1902- 1999م). مرجع سابق، ص 192
- محمد توفيق صادق، مرجع سابق، ص 194 .
- محمد بن عبد الرحمن الطويل، مرجع سابق، ص ص 1 - 72 .
[22] محمد بن عبد الرحمن الطويل، مرجع سابق، ص 82 .
[23] معهد الإدارة العامة. اللجنة العليا للإصلاح الإداري: مهامها، تنظيمها، إنجازاتها. الرياض: مطابع معهد الإدارة العامة، ص ص 9 - 13 .
[24] انظر كلاً  من :
- معهد الإدارة العامة. اللجنة العليا للإصلاح الإداري: مهامها، تنظيمها، إنجازاتها، مرجع سابق، ص 15، 16، ص 24 .
- معهد الإدارة العامة. تطور الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام (1319 - 1419هـ، 1902- 1999م). مرجع سابق، ص ص 602-607 .
[25] انظر كلاً  من :
- معهد الإدارة العامة. عرض عن تجربة الاستشارات في معهد الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية. بحث مقدم إلى لقاء تبادل الخبرات للمسؤولين في معاهد الإدارة والتنمية الإدارية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الرياض 1414هـ .
- معهد الإدارة العامة. تقرير حول تقويم نشاط الاستشارات بمعهـد الإدارة، 1418هـ.
[26] انظر كلاً من :
- معهد الإدارة العامة. تطور الإدارة العامة في المملكة العربيـة السعوديـة خلال مائة عام (1319 - 1419هـ، 1902- 1999م). مرجع سابق، ص ص 607 -610 .
- معـهد الإدارة العامة. التقرير السنوي الشامل لإنجازات معهد الإدارة العامة خلال العام التدريبي 1418 / 1419هـ. الرياض. مـركز الطـباعة والنشر بـمعــــهد الإدارة العامة، ص 14.