Skip to main content
User Image

أ.د. عمر بن عبد العزيز الدهيشي

Professor

قسم الدراسات القرآنية

التعليم
قسم الدراسات القرآنية 35/أأ
publication
1431

حق الطريق ووسائل السلامة

حق الطريق ووسائل السلامة 14/6/1431هـ

عباد الله..حين تفاخر المجتمعات،وتتباهى بعض الدول بحسن النظام،في رعاية الإنسان،وإتقان الحياة العامة التي تكفل لكل أفراد المجتمع الأمن والاستقرار،مما أبهر المعجبين بها،وصار هجيراهم المدح لحالهم والثناء على أحوالهم،فإن تعاليم ديننا الحنيف بأوامره الربانية،وتعاليمه الغراء الصالحة لكل زمان ومكان من عهد الرسالة إلى عصر المادية،كفيلة بإيجاد ذلك النظام وأكمل،مما يكفل لأفراد المجتمع المسلم الأمن والاستقرار فضلا عن المحبة والوئام،الذي تفتقده تلك الأنظمة والقوانين الأرضية.

عباد الله..ومن تلك التعاليم الربانية والتوجيهات النبوية،الحقوق المتعلقة بالطرقات،والواجبات تجاه السالكين والمارين عليها،فالطريق ملك لكل الناس،والجميع لهم حق الانتفاع به،فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (أعطوا الطريق حقه) قالوا:وما حق الطريق يا رسول الله؟قال:غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متفق عليه.وعند أبي داود:وإرشاد ابن السبيل وتشميت العاطس وإرشاد المارة.

فمن الحقوق:غض البصر وذلك عن كل ما يلهي السائق عن طريقه،ويفقِد معه التركيز والتدقيق،من فضول النظر هنا وهناك،أو الاشتغال بمكالمة أو اتصال،فضلاً عن النظر المسموم المحرم مما ينسي القائد قيادته ويصده عن سواء السبيل،فكم جلب إطلاق البصر فيما لا يعني من الويلات،وأوقع المصائب والبليات،من حوادث كارثة،وعبث بالأنفس والممتلكات،وترويع وفزع.

ومن الحقوق:كف الأذى،والأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي المسلمين من إصدار أصوات مزعجة من الإطارات والصوتيات،أو مناظر مفزعة من تهور وعبث بالمركبة،وعدم تقيد بالتعاليم المرورية،أو سرعة تجلب الكوارث وتوقع المصائب،وتزير البيوت الأحزان والأتراح، عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)رواه الطبراني وهو صحيح.

ومن الحقوق:إفشاء السلام مما يبعث السلامة والتصافي،والمحبة والتقارب،ويجلب التعاون والتآخي بين المستفيدين من الطريق،فيورث الإيثار ويحصل التآلف،وتذهب الإحن،وتسلم النفوس من الأثرة وحب الذات،فيراعى المسن،ويقدم المحتاج،ويفسح لأصحاب الهيئات والإسعافات،ويعفى عن المخطئ،ويتجاوز عن المقصر،فإن النفوس إذا اطمأنت صلحت أخلاقها وطاب فعالها،و استجلبت رضا الله تعالى عنها،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا،أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)رواه مسلم.

ومن الحقوق:الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي كلمة جامعة مانعة يدخل فيها ما شئت من مكارم الأخلاق والآداب والمروءات،تهدي ابن السبيل الضال بعبارة  ملؤها الأدب،وإشارة كلها لطف ورقة من غير فظاظة ولا ملال، لا تقول هجراً ولا تنطق فحشاً، والبشاشة والتبسم في وجه أخيك من الصدقات،وإن كنت تحمل شيئاً فاحترس أن تصيب أحداً بأذى. تفضُّ النزاع بين المتخاصمين، وتأخذ على أيدي الظالمين، وتنصر المظلومين،ولا تعرض لأحدٍ بمكروه، ولا تذكر أحداً بسوء، لا تهزأ بالمارة، ولا تسخر من العابرين . . لا تشر ببنان، لا تستطل بلسان، ولا تحتقر صغيراً، ولا تهزأ من ذي عاهة. وإياك والإسراع في مضايق الطريق وملتقى الأبواب ومواطن الزحام،مع حفظٍ تامٍ لحقوق المشاة والراكبين والقاعدين، وإهمال ذلك يصيب المسلمين بفساد عريض. قال سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.)

ومن الحقوق: أن يكون المسلم في طريقه متواضعاً متسامحاً سهلا ليناً ،قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) فعباد الرحمن: هم خلاصة البشر يمشون في الطريق هوناً،لا تصنُّع ولا تكلف،ولا كبر ولا خيلاء،ولا أشر ولا بطر،مشية تعبر عن شخصية متزنة، ونفس سوية مطمئنة تظهر صفاتها في مشية صاحبها. وقارٌ وسكينةٌ، وجدٌّ وقوةٌ من غير تماوتٍ أو مذلة، لا يُصعر خده استكباراً، ولا يمشي في الأرض مرحاً. لا يقصد إلى مزاحمة، يحترم نفسه في أدب جمٍّ، وخلقٍ عالٍ لا يسير سير الجبارين، ولا يضطرب في خفة الجاهلين. إنه المشي الهون المناسب للرحمة في عباد الرحمن،يتحمل أذى الغير،ويتساهل في معاملته مع الآخرين.

عباد الله..إن هذه المركبة من نعم الله تعالى التي يجب شكرها، ومن الشكر ألا تؤذي بها الناس، وألا تفسد بها في الأرض. وإذا كان الإسلام حذر المسلم من أن يمشي بين الناس وهو يحمل سلاحاً من أي نوع كان بطريقة مخيفة؛لأن له تأثيراً على نفوس الناس بالإزعاج والإخافة. فكيف بمن يلحق الأذى بالناس، أو كيف بمن يزهق أرواحهم بسيارته؟ عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إذا مَرَّ أحدكم في مَسْجِدِنَا أو في سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ على نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا من الْمُسْلِمِينَ منها بِشَيْءٍ أو قال لِيَقْبِضَ على نِصَالِهَا) رواه مسلم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).

الثانية:عباد الله..إن مما يفزع النفوس ويخيف القلوب تلك الإحصائيات العالية والأرقام الكبيرة التي تشهدها بلادنا من حوادث وفواجع،ومصائب ومواجع،جراء حوادث السيارات التي أبادت الأخضر واليابس،واصطلى بلظاها القريب والبعيد،وامتلأت المصحات والمشافي بالمصابين والمصابات ،والحديث بلغة الأرقام مؤلم،ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمر إلا إيلاماً،لذا لا بد من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجم الخطر،ثم التكاتف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسساته للحد من تلك الحوادث،ففي العام المنصرم ألف وأربعمائة وثلاثين بلغ عدد المصابين من تلك الحوادث في مدينة الرياض ألف وخمسمائة وثلاثة وخمسون،وعدد المتوفين ثلاثمائة وواحد وستون متوفى،رحم الله المتوفين وعافى المصابين..

عباد الله..كل هذا ناشئ بعد تقدير الله تعالى عن التساهل بحق الطريق،والتهاون في تطبيق القواعد المرورية،والتكاسل في اتباع وسائل السلامة،ومن وسائل الحفظ والسلامة المواظبة على الدعاء والذكر حال الخروج من المنزل وركوب السيارة،قال تعالى: (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) وعن أنس رضي الله عنه قال:قال صلى :من قال يعني من خرج من بيته- بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله،يقال له:كفيت ووقيت،وتنحى عنه الشيطان) رواه الترمذي وهو صحيح.

ومن وسائل السلامة الرفق في القيادة،والتقيد بالنظام المروري المتبع،وتعاهد المركبة بين الحين والآخر،وحفظ السيارات عن أطفال السن وأطفال العقول،حفظني الله وإياكم من مفاجئات الطريق وسلمنا من كل مكروه.

 

 

more of publication