تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

ماجد علي القنية

Assistant Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الصيدلة
كلية الصيدلة, المكتب: 2ب66
مدونة

تدريس الطب والعلوم بالعربية.. والقرار السياسي

ماجد علي القنية
جمادى الآخرة -  1436 هــ

 
تدريس الطب والعلوم بالعربية هو برأيي ضرورة ملحة، فالغرب لم يتقدم علينا ماديا إلا بعد أن نقل علومنا من العربية إلى لغاته وقام يتعلم بلغاته. أما لو ظللنا على التعلم بلغة الغرب فإننا قد نتقدم ماديا، لكن لا أظن أنه سيكون تقدما يجعلنا نسبقهم أو حتى نجاريهم.

الكثير من الأساتذة في كليات الطب والكليات العلمية في المملكة وكثير من البلدان العربية يعترضون على التدريس بالعربية. وقد قام الكثير من الداعين إلى التدريس بها بالرد على الاعتراضات التي أوردت أو قد تورد ضد التدريس بها، ونشروا هذه الردود في مقالات مطولة، بل إنني رأيت كتابا أُلف في ذلك. وهنا أذكر شيئا لفت نظري، وهو أنه بخلاف الداعين إلى التدريس بها الذين ساقوا حججا وأدلة وردودا مطولة في ذلك، فإن المعارضين لذلك لاحظت أن اعتراضاتهم لا يبدو أنها جاءت نتيجة تفكير طويل في المسألة. فأنا حتى الآن لم أجد مقالة لأحد المعارضين يسوق فيها حججه وأدلته ويناقش فيها حجج وأدلة الداعين للتدريس بها. ويبدو لي أن أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن الكثير من المعارضين لم يعلموا بحجج وأدلة الداعين للتدريس بها. وهنا سؤال: كيف نجعل أولائك المعارضين يعلمون بتلك الحجج والأدلة؟ في الحقيقة لم يظهر لي جواب حتى الآن.  
   

في هذه المقالة أحاول أن أضيف شيئا لما سبق أن قام به الداعون للتدريس بالعربية، أناقش فيها بعض الاعتراضات التي قد تورد ضد التدريس بها، وفي نفس الوقت أطرح اقتراحات للتمكن من تحقيق هدف التدريس بها.
  

فمن أهم الاعتراضات ضد تدريس الطب والعلوم بالعربية هو أن التدريس بالإنجليزية ضرورة لأن المراجع والأبحاث العلمية في العالم جلها تصدر بالإنجليزية. فأقول صحيح أن جل الأبحاث تصدر بالإنجليزية ولكن لو كان هذا يجعل التدريس بها ضروريا فلماذا إذن الكثير من الدول لا تدرس بها وإنما بلغاتها. فحسب بحثي وجدت على سبيل المثال لا الحصر أن ألمانيا واليابان والصين وكوبا لا تدرس أبناءها الطب والعلوم بالإنجليزية وإنما بلغاتها. فإن قيل إن هذه الدول استطاعت التدريس بلغاتها لأن بها حركة ترجمة قوية من الإنجليزية إلى لغاتها، فأقول وهذا هو بالضبط ما نطالب به عندنا.

وهنا قد يقال: ولكن الإنجليزية هي لغة التواصل العالمي، فلو درس الطلبة هنا بالعربية فإنهم بعد تخرجهم لن يستطيعوا التواصل مع زملاء مهنتهم من باقي دول العالم، فنقول: إن دراسة الطب والعلوم بالعربية لا تتعارض بل ولا تُعفِي من إتقان الإنجليزية، بل ينبغي أن يكون إتقان الإنجليزية إلزاميا لطلبة الطب والعلوم لأنها هي لغة التواصل العالمي حاليا.

وبرأيي لكي تنجح عملية تدريس الطب والعلوم بالعربية فإنها ينبغي أن تتم وفق خطة استراتيجية طويلة المدى، ملامحها الأساسية هي: أن تكون عملية ترجمة العلوم وعملية التدريس بالعربية متدرجة تصاعديا حتى نصل إلى أن يكون التدريس هو كليا باللغة العربية. ولْيأخذ هذا التدرج التصاعدي وقته، مثلا عشر أو عشرين سنة.

وأيضا، ينبغي أن يواكب ذلك عملية تنسيق مع قطاع العمل، لأنه بدون عملية التنسيق فإنه عندما يتخرج الطلاب من الجامعة من الممكن أن يرفض قطاع العمل توظيفهم لأن دراستهم لم تكن باللغة الإنجليزية بينما لغة التعامل في قطاع العمل هي الإنجليزية، كما هو الوضع في المستشفيات مثلا. وأقصد بعملية التنسيق مع قطاع العمل هو أن تقوم جهات العمل المعنية أيضا بانتقال تدريجي إلى استخدام العربية بدل الإنجليزية لغةً للتواصل المكتوب والمنطوق.

وهذا التدرج في الحقيقة قد يجيب عن الذين لا يعترضون على التدريس بالعربية ولكنهم يرون أن الوضع الآن لا زال غير مهيئ للتدريس بالعربية، فنقول إنه لا أحد يقول إننا ينبغي أن نقوم مباشرة بقلب التدريس كليا من الإنجليزية إلى العربية، ولكن مثل هذا القلب الكلي المباشر شيء والقول إننا ينبغي أن نبدأ مباشرة ولكن بطريقة متدرجة شيء آخر، وهذا هو الذي نطالب به. فإن قال قائل: وحتى لو كانت العملية متدرجة فإنني مع ذلك أرى أن الوضع لا زال غير مهيئ كي نبدأ الآن بهذه العملية المتدرجة، فينبغي أن نؤجل نقطة البداية إلى أن يصل التراكم في الترجمة إلى الدرجة التي تسمح لنا بالبدء بالعملية. فأجيب بأننا إذا لم نبدأ الآن فإن الترجمات التي تنجز حاليا ستكون جهدا مهدرا تماما لأن هذه الترجمات لن تستخدم من قبل الطلاب لأن نظام التدريس في الكليات المعنية هو بالإنجليزية ولأن لغة التواصل في جهات العمل المتعلقة بهذه الكليات هي الإنجليزية، وهذا في الحقيقة هو الذي حصل في السابق ويحصل حاليا، ثم لو قررنا استخدام هذه الترجمات بعد مضي عدد من السنوات على إصدارها فإنها لن تكون مفيدة وذلك لأنها ستكون منتهية الصلاحية عندئذ بسبب التطور السريع جدا للعلوم، فما الفائدة من مراكمة ترجمات منتهية الصلاحية؟!
 

دور الدولة

الخطة التي اقترحناها في هذه المقالة هي خطة استراتيجية كبرى لا يستطيع القيام بها أفراد ولا حتى مؤسسات بمفردها. بل حتى وزارة بمفردها لا تستطيع القيام بهذه المهمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكرنا أعلاه أنه في هذه الخطة ينبغي أن يكون هناك تنسيق بين الجامعات وبين قطاع العمل، ولكن الجامعات تتبع وزارة غير الوزارات التي يتبعها قطاع العمل. ولذا فإن هذه الخطة في الحقيقة تحتاج قرارا سياسيا من قيادة الدولة، فتقوم القيادة بوضع هذه الخطة وترسم فيها دورا محددا لكل جهة ومؤسسة ووزارة معنية وتضع في هذه الخطة توقيتات زمنية لمراحل الخطة.

وأود أن أوضح أن تشجيع الترجمة الذي تقوم به الدولة حاليا لا يصلح، لأكثر من سبب. أولا هذا التشجيع لم يأت في سياق خطة استراتيجية محددة ولذلك فهو يؤدي إلى طريق مسدود. فعلى سبيل المثال، ذكرنا أعلاه أن الترجمات التي أنجزت في الماضي لم تستخدم لأن طلاب الطب والكليات العلمية التي تُدَرس بالإنجليزية لم يكن لهم فائدة بقراءة هذه الترجمات لأن نظام التدريس هو بالإنجليزية ولغة التواصل في جهات العمل المتعلقة بهذه الكليات هي الإنجليزية، ثم أصبحت هذه الترجمات منتهية الصلاحية بعد مضي عدد من السنوات على إصدارها. وثانيا التشجيع الموجود هو أقل كثيرا جدا من النسبة المطلوبة، بل إن الدولة في خطتها الاستراتيجية التي نقترحها لا ينبغي أن يكون دورها عبارة عن تشجيع للترجمة بل ينبغي لها أن تقود وتشرف على عملية الترجمة وتضمن سيرها بالمعدل المطلوب والمخطط له.

والحقيقة يبدو لي أن موقف الدولة من مسألة الترجمة غير مفهوم. لأنه إذا كانت الدولة مقتنعة بتدريس الطب والعلوم بالعربية فإن تشجيع الترجمة الذي تقوم به حاليا لن يؤدي مستقبلا إلى التدريس بالعربية بسبب غياب خطة استراتيجية محددة من الدولة كما فصلنا أعلاه. وفي المقابل، إذا كانت الدولة غير مقتنعة بتدريس الطب والعلوم بالعربية وتأخذ بوجهة نظر الذين يعترضون على التدريس بالعربية، وهي وجهة نظر وإن كنت أرى أنها خاطئة ولكنها محترمة ومقدرة، فإن تشجيع الترجمة الذي تقوم به حاليا هو إهدار للجهد والوقت، فينبغي لها أن تشجع عدم الترجمة لا أن تشجع الترجمة. والله أعلم.