تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

ماجد علي القنية

Assistant Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الصيدلة
كلية الصيدلة, المكتب: 2ب66
مدونة

السعي للشهرة

ماجد علي القنية
محدثة بتاريخ: جمادى الآخرة - 1436 هــ

غريزة حب الشهرة متأصلة في النفس وقل من يسلم من إغرائها. وأحيانا يقوم المرء بعمل ما بدافع معين ولكن قد يصاحبه دافع الرغبة في الوصول للشهرة وهو لا يعلم. فقد يؤلف كتابا أو يجتهد في الحصول على درجة الدكتوراه بدافع الرغبة في نفع الناس وقد يكون أيضا بدافع الرغبة في تحسين دخله المادي ولكنه لو تفكر في نفسه فقد يجد أن الرغبة في الوصول للشهرة هي أيضا من دوافع ذلك.

وهنا سؤال يفرض نفسه: ماذا عن شخص يسعى لأن يشتهر عمله ليس حبا في الشهرة ولكن لهدف آخر، مثلا شخص آتاه الله علما فيسعى للظهور على القنوات التلفزيونية كي يشتهر علمه ويصل لأكبر قدر من الناس فينتفعون به، فهل يصح أن نسمي نسعيه هذا سعيا للشهرة ليس حبا فيها؟ أقول سواء سمينا سعيه بهذا الاسم أم لم نسمه فالمعنى واحد، ولكنني أفضل ألا نسميه بهذا الاسم وألا نقول أن المرء يسعى للشهرة إلا إذا كان يسعى لها لذاتها وحبا فيها، وهذه ستكون طريقتي في هذه المقالة.

ولكن لماذا تحب النفس الشهرة؟ قد يقال أن ذلك غريزة والغرائز لا تعلل. وهذا يقودني إلى الاستطراد بسؤال آخر وهو: أجميع الغرائز لا تعلل؟ أم أن بعضها يمكن تعليلها؟ والذي يتراءى لي هو أن بعضها يمكن تعليلها. ومن هذه غريزة حب الشهرة فهي قد تعلل بعدة أسباب، منها أنها تشبع غريزة حب المديح والثناء وغريزة حب التميز فوق الآخرين. لا أعرف ماذا يقول علم النفس في هذه المسائل.

ويقال أن بعض الناس قد يسعى للشهرة ولو في أمر مذموم، وهناك أمثلة تذكر للتدليل على ذلك. فإن صح ذلك فإن السببين الذين ذكرتهما آنفا غير كافيين لتفسير حب النفس للشهرة، فيرجح أن يكون هناك سبب أو أسباب إضافية تفسر حب النفس للشهرة ولو في أمر مذموم، أو أن هناك جزءا من غريزة حب الشهرة لا يمكن تعليله.
 

الرغبة في الوصول للشهرة عندما تكون الدافع الوحيد للقيام بعمل ما

في بعض الحالات تكون الرغبة في الوصول للشهرة هي الدافع الوحيد للمرء للقيام بعمل ما، وفي هذه الحالات فإنه يعلم بتفكر قليل في نفسه أو حتى بدون تفكر أنه يقوم بهذا العمل سعيا للشهرة. ومن يسعى للشهرة فإنه إن كان ذلك في أمر من أمور الدين فلا شك أنه محرم شرعا مطلقا (مع التذكير بما ذكرته سابقا من أنني عندما أقول في هذه المقالة السعي للشهرة فإنني أقصد السعي لها لذاتها وحبا فيها). ولكن السؤال هو هل ينبغي للمرء أيضا في أمور الدنيا أن يكبت غريزة حب الشهرة في نفسه وألا يسعى لها؟ فنقول أولا هناك مسألة الحكم الشرعي، وما إذا كان السعي للشهرة محرما شرعا على كل حال، أم أنه يكون محرما دائما فقط إذا كان العمل الذي يسعى عن طريقه المرء للشهرة دينيا، أما إن كان دنيويا فيختلف الحكم الشرعي من حالة إلى حالة؟ وجواب هذه المسألة عند أهل العلم. وثانيا أقول أن المرء ينبغي له أن يستحضر أن هناك أضرارا للسعي للشهرة قد لا يسلم منها، منها أن ذلك قد يجعله يهمل أسرته وأقرباءه وأصدقاءه وذلك كي يجد الوقت الكافي للقيام بالأعمال التي قد تجلب له الشهرة.
 

الرغبة في الوصول للشهرة عندما لا تكون الدافع الوحيد للقيام بعمل ما

هناك حالات كثيرة (كالمثالين الذين ذكرناهما في أول فقرة من هذه المقالة) لا تكون فيها الرغبة للوصول للشهرة هي الدافع الوحيد لقيام المرء بعمل ما بل قد تكون مستترة خلف دافع آخر أو أكثر من دافع، ولهذا قد لا ينتبه أن الرغبة في الوصول للشهرة هي أحد دوافعه للقيام بذلك العمل. وبالرغم من أن الدافع أو الدوافع الأخرى التي استتر خلفها دافع الرغبة في الوصول للشهر قد تكون أشد وضوحا منه، لكنها قد تكون أقل تأثيرا منه. ولذلك يحسن التنبيه هنا على ضرورة تفكر المرء في نفسه عند قيامه بأعمال قد تجلب له الشهرة، لأن ذلك سيجعله يتبين إن كانت هذه الرغبة هي أحد دوافعه للقيام بتلك الأعمال أم لا.
 

الرغبة في الوصول للشهرة أم الرغبة في زيادة الثقة؟

هناك دافع نفسي لقيام المرء بعمل ما يحتاج المرء للتفكر في نفسه للتمييز بينه وبين دافع الرغبة في الوصول للشهرة، وهو دافع أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته العلمية أو الفكرية أو الإبداعية (حسب مجال ذلك العمل). فمثلا قد ينشر مفكر مبتدئ كتابا فكريا ويكون أحد دوافعه لذلك النشر هو أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته الفكرية عن طريق أن يلقى ذلك الكتاب قبولا واسعا عند الناس والمفكرين وأن يكون رأيهم في الكتاب إيجابيا. أو مثلا ينشر شاعر مبتدئ ديوانا ويكون أحد دوافعه لذلك النشر هو أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته الشعرية عن طريق أن يلقى ذلك الديوان قبولا واسعا عند الناس والشعراء وأن يكون رأيهم في الديوان إيجابيا. وهذا الدافع هو برأيي دافع مبرر في الكثير من الحالات وهو منتشر كثيرا في الناس خصوصا المبتدئين في مجالهم. ولكن لأن دافع الرغبة في الوصول للشهرة هو أيضا منتشر كثيرا في الناس المبتدئين في مجالهم، وأيضا لأن دافع الرغبة في زيادة الثقة لا تتم تلبيته إلا عن طريق أن يلقى العمل قبولا واسعا عند الناس (أي عن طريق مجيء الشهرة لذلك العمل)، فإن هذين الدافعين قد يختلطان على المرء. فقد يقوم بعمل ما فيجد نفسه يتمنى أن ينتشر ذلك العمل وأن يسمع به الكثير من الناس، فيظن أن هذا التمني هو ناتج عن الرغبة في الوصول للشهرة وأن هذه الرغبة هي أحد دوافعه للقيام بذلك العمل، فيلوم نفسه على ذلك، بينما أن هذا التمني قد لا يكون ناتجا عن الرغبة في الوصول للشهرة وإنما ناتجا عن الرغبة في زيادة الثقة في صحة ذلك العمل عن طريق أن يلقى ذلك العمل قبولا واسعا عند البارزين في مجال ذلك العمل وعند الناس. ولذا فإنه من الضروري أن يتفكر المرء في نفسه ليتبين أي الدافعين موجود لديه: الرغبة في زيادة الثقة في صحة العمل أم الرغبة في الوصول للشهرة أم الإثنين.
 

آثار السعي للشهرة

قد ذكرنا سابقا في هذه المقالة أن للسعي للشهرة أضرارا. ثم وصول المرء للشهرة بعد ذلك له أضراره، فقد يجعله أكثر انشغالا عن الناس القريبين منه، وسيحرمه من الخصوصية، وقد يسلط اهتمام الناس والأضواء على أبناءه وأقربائه مما قد يحرمهم هم أيضا من الخصوصية ويسبب لهم الضيق.

وإذا كانت الشهرة التي وصل إليها المرء هي شهرة فكرية فإن ذلك له ضرر إضافي عليه قد يكون فيه مهلكة له، حتى لو أن تلك الشهرة قد جاءته بغير سعي منه إليها، وهو أن الشهرة قد تحنط نفسه بحيث تحد من قدرته على الاعتراف مرات كثيرة بخطأ نتيجة تفكيره (أي بخطأ فكرته) والقيام بتصحيحها، ولو أنها مرة واحدة أو مرات قليلة لهان الأمر. وأود أن أوضح أن من طبيعة ومعالم التفكير أن المفكر كثيرا ما يظهر له أن فكرته كانت خاطئة، فيكون عليه القيام بتصحيحها. أم لماذا كان ذلك من طبيعة ومعالم التفكير، فانظر المقالة (ضروب ومعالم التفكير (1) و (2)) الموجودة على هذا الموقع. ويبدو أن هناك أكثر من سبب يجعل من الصعب على المفكر المشهور الاعتراف مرات كثيرة بخطأ فكرته. وأحد هذه الأسباب هو أن الكثير من القراء لا يعلمون أن عثوره على أخطاء باستمرار في نتائج تفكيره هو من معالم وطبيعة التفكير، ولذلك فإنه يستشعر أنهم لن يتقبلوا أن يكون في نتاجه الفكري الكثير من الأخطاء. فمن جاءته الشهرة الفكرية عليه أن يفطن لهذه المهلكة ويسأل نفسه إن كان يملك الشجاعة لأن يخرج منها سالما. والله أعلم.