مدونة
كتاب الأمير , لـ نيقولا ميكافيللي
(السياسة, ميكافيللي)
أيهما أساء للآخر!
قائل:(الغاية تبرر الوسيلة)
قراءة لكتاب (الأمير)
اسمه تحول إلى (مصطلح فلسفي وسياسي)
مرجع مهم في علم السياسة
الكراهية, والاحتقار, تسقط الدول

:- قراءة : حازم السند
كتاب الأمير , لـ نيقولا ميكافيللي
خطَّ ميكافيللي(1469-1527) هذا الكتاب لإرشاد لورنزو ابن بيرو دي ميديشي, هو ممن ملك حديثاً, وكان حول إدارة الدولة, واسترداد إيطاليا من أيدي البرابرة, وحمل الكتاب الكثير من النصائح, والأفكار, والآراء, ذات الطابع السياسي المحنك, وخالطها شيء مما يخالف الأخلاق النبيلة, والخصال الحميدة, وهو كتاب من أهم المؤلفات في علم السياسة, لخص فيه موضوع (السيطرة على الدولة), وضمان استمراريتها. وقد تميز بتخصص موضوعه, وأسلوبه, بما يجعله مختلفا عن الكتب العربية التي تطرقت للسياسة وأسدت نصائح للأمراء, أو سعت إلى تحليل المجتمع وتفكيك أفكاره, ككتاب (المقدمة) لابن خلدون, و(كليلة ودمنة) و (الأدب الكبير) لعبدالله بن المقفع.
لاقى الكتاب الكثير من الهجوم والاستنكار, لكن ذلك ناتج عن سوء فهم السياسة وغاياتها, فالسياسة في غالب شأنها عديمة الأخلاق, لاتخدم الإنسانية إلا بقدر ما تخدمها هي, ولاتعبأ بالوسائل والنتائج اللاحقة لأي فعل مادامت الغاية النهائية هي دوام الحكم, وضمان أمن الحاكم, وهذا الكتاب يسير وفقا لمفهوم السياسة الواقعي- لا الطوباوي- حتى غدا مرجعا في علم السياسة والسلطان .
بل إن بعض المتخصصين السياسيين يفسرون كثيرا من أحداث العالم اليوم على ضوء هذا الكتاب, وأن أمريكا ودولا غربية تنفذ نصائح ميكافيللي, وهذا ما أجج الحروب والخلافات في هذا العصر الحديث.
وقد أورد مقدم الكتاب أن هتلر كان يقرأ الكتاب كل ليلة, وموسوليني أعده موضوعا لرسالة دكتوراه, وقد منع الكتاب في عهود التفتيش, وصودرت جميع كتب ميكافيللي.
هذا الكتاب عبارة عن ملحوظات دوَّنها ميكافيللي في المنفى بعد أن هاجم الفرنسيون (فلورنسا), وطردوه من منصبه كسكرتير للمستشارية الثانية,و من ثم قام بإهداء الكتاب إلى أحد أفراد أسرة ميديشي الحاكمة, طمعا في أن ينال حظوة لديهم!.
وقد عدَّ هديته دليل إخلاص, وهي خلاصة أفكاره, وماتوصلت إليه ذهنه الوقادة.
منهجية الكتاب:
رسم طريقة منهجية للكتاب, جعل بعض عناوينه في صيغة سؤال, وهو مكون من ستة وعشرين فصلاً, ملتزم بتقديم مميز لكل فصل, يناقش فيه العنوان من وجهات نظر متعددة, وبعد ذلك يدلف إلى إبداء ما يراه, ويكثر من الاستشهاد بالأمثلة التاريخية والشخصيات القيادية القديمة والحديثة, كما أنه يهتم كثيراً بالمقولات الحكمية, والقواعد المنطقية, وفي ختام الفصل يقدم ملخصاً سريعاً, وخلاصة لما أراد.
أنواع الممالك
ابتدأت أولى فصول الكتاب في بيان أنواع الحكومات و طرق إقامتها, ومن ثم تطرق للممالك الوراثية القديمة, وبيّن أنها الأكثر رسوخاً, والأصعب اختراقاً من سواها. أما الممالك الجديدة, والتي سماها بالمختلطة فهي محل الاختلاف, وموطن للفتنة, ويطمع فيها الطامعون دوماً, لكن ميكافيللي ينصح بأسلوب واحد لتعامل الأمير مع الشعب الجديد بأن يدفعهم إلى حبه, وهو الضمان الأكبر للتمكن من بناء الدولة.
ويشير ميكافيللي إلى أن الدول ذات اللغة والجنس الواحد من الممكن السيطرة عليها, لكن بشرط واحد هو (محو الأسر التي كانت تحكمها من الوجود), و(عدم تغيير القوانين أوالضرائب الخاصة بهذه البلاد),كما حدث في بوروجوندي وبريتاني ونورماندي التي انضمت إلى فرنسا منذ وقت طويل.
الاستعمار طريق الأمان
ويظهر أن ماذكر طرف من الحنكة السياسية, التي ربما لاتتعارض والأخلاق النبيلة, لكننا نجد ميكافيللي, يحث الأمير على بناء المستعمرات الصغيرة خارج البلاد, وتزويدها بالجيوش, لحماية الدولة الأم, وهو يحقق هذه الغاية الكبرى بأقل التكاليف المتوقعة, حيث من يتحمل ضريبة ذلك كله هم أصحاب البلد (المُسْتَعمَر), الذين ستنهب أراضيهم وبيوتاتهم, وقد طمأن الأميرَ بشأن فكرة انتقام أصحاب الأرض, فيؤكد أن قدرتهم تنحصر في الأشياء البسيطة, غير المؤثرة, أما الأمور الكبيرة فلن يتمكنوا منها.
يستشهد مياكفيللي بالتاريخ كثيراً, ويعمد إلى تشخيص المشكلات التي واجهتها الدول السابقة, ويقترح الحلول لها, ويعرضها بشكل واضح ومباشر, ونقول إنه استوعب الدرس التاريخي جيداً, وتمكن من وصفه بدقة, والاستفادة من عبره ووقائعه لبناء دولة تستطيع الصمود أكثر.
وقد استنتج قاعدة وصفها بالقاعدة العامة التي لاتخيب إلا فيما ندر وهي ( أن كل من يتسبب في أن يقوي غيره يهلك نفسه, إما بالحيلة وإما بالقوة وهاتان الصفتان هما موضع شك ممن يصل إلى السلطة).
مقارنة بين (الأتراك)و(الفرنسيين)
في الفصل الرابع قارن بين الدولتين التركية(العثمانية), والدولة الفرنسية, وأن الأولى تعتمد على الحاكم تماماً, بينما البقية فهم مجرد خدم وتابعين, بينما الفرنسيون فالحاكم لم يكن مطلق اليد, بل وراءه (نبلاء) لهم سلطة وقيمة لايمكن تجاهلها, وهذا بدوره يدفع إلى أن دولة الأتراك من الصعب إسقاطها, لكن السيطرة عليها سهلة جداً, والعكس صحيح بالنسبة لفرنسا.
الخراب, أوالجزية
يدعو ميكافيللي في الفصل الموالي إلى استخدام واحدة من ثلاث طرق للسيطرة على الدولة (الحرة) ذات النظام الجمهوري, إما أن يخرب البلدة كلها, أو يقيم الأمير في أرضها ليسوسها عن قرب, أو يجعلها تحكم بقوانينها الخاصة مع دفع (الجزية), وخلاف هذه سيؤدي إلى الثورة والانقلابات المتكررة.
ميكافيللي والعراق
وفي الفصل السادس يتحدث عن الولايات الجديدة, ووضع الأنظمة فيها, وأورد ما نراه ماثلاً في العراق اليوم على إثر الاحتلال الإميركي, فيقول مياكفيللي( فنجد أنه لايوجد أصعب من بدء نظام جديد لتسيير الأمور وتنفيذه, فنجاحه مشكوك في أمره, لأن من يريد (الإصلاح) لابد له من أعداء, وهم جميع من كانوا يستفيدون من النظام القديم, وهناك أيضاُ من يؤيده بفتور رغم استفادتهم من النظام الجديد, ويرجع فتورهم إلى خوفهم-من ناحية- من خصومهم الذين يساندهم القانون, ومن ناحية أخرى إلى أن الناس لاتؤمن بالجديد حتى تجربه فعلاً), وأضاف أن المصلحين على ضربين, فمنهم من يسعى إلى استمالة الآخرين, ومنهم من يعتمد على قوته, وسطوته, والأخير قلما يفشل, مستشهدا بحال الأنبياء المسلحين الذين انتصروا فيما فشل فيه أخوانهم من غير المسلحين.
أما في شأن من حاز السلطان بسبب قوة غير قوته, أن عليه كما يقول ميكافيللي: (أن يؤمن نفسه ضد أعدائه, وأن يكسب الأصدقاء, وأن تكون له الغلبة بالقوة والخديعة, وأن يحبه الشعب ويخشاه, وأن يسحق من يستطيع أن يؤذيه, أو من الممكن أن يؤذيه, وأن يكون صارما وشفوقا في نفس الوقت, ويحفظ علاقات الود مع الملوك والأمراء بطريقة تسعدهم إذا فعلوا ما يفيده, وتخيفهم منه إذا ناله منهم مضرة…).
وهي نصائح لاتخلو من الحكمة, وتدلي بنصيب وافر من المعرفة السياسية والتفكر العميق.
لم يكن سيئاً جداً
ربما لم يكن ميكافيللي بذلك السوء المشتهر عنه, أو بتلك الصورة القاتمة , وهذا في حديثه حول قصة (أجاثوكل الصقلي), الذي انتزع السلطان بدهائه وحيلته, ودافع عن سلطانه بالحديد والنار, وأريقت دماء كثيرة, فكان يقول: (لكن قتل المواطنين لايعتبر من الفضائل, كما أن التغرير بالأصدقاء,وفقدان العقيدة, والرحمة, والدين يمكن توصل بنا إلى القوة, وليس إلى المجد).
إذا قتلتم فأحسنوا القتلة
ومن نصائحه أن على المنتصر أن يخطط لجرائمه مرة واحدة, وأن تكون الأخطاء دفعة واحدة حتى تكون أقل تأثيرا من واقعات متعددة تبقى آثارها, أما المزايا فيجب إعطاؤها جرعة جرعة حتى يستمتع بها المواطنون ويشعروا بفائدتها.
الدولة الدينية
وفي الفصل الحادي عشر, تطرق لموضوع غاية في الأهمية وهو الدولة الكنسية, و هي التي تحكمها العادات الدينية والتقاليد الكنيسية المقدسة, ويصف قادتها بأنهم الأقل قلقا بشأن حمايتها, ومع ذلك فهم لايفقدونها,ولايستاء منهم رعاياهم بالرغم من إهمالهم, وهذه الميزة يعتبرها ميكافيللي محكومة بعادات وقيم لايمكن أن يدركها العقل البشري, لأن الله هو حاميها والمحافظ عليها!.
التسلح وبناء الجيوش
ويرى أن الدولة الناجحة يجب أن تتوافر بها القوانين الجيدة, والأسلحة الجيدة, و على الحاكم أن يبني جيشه, لاأن يستعير من الخارج, وهي مايسميها بالمرتزقة, أوالقوات المعاونة, وفي حديثه عن الأخيرة كان يؤكد على أن هذه الحاكم المستعين بها يصير مهزوما في حال خسارة المعركة, وفي حالة انتصاره فإنه يبقى أسيرا لهذه القوات,وأن الأمير المحنك هو من يتجنب هذين النوعين(المرتزقة, والقوات المعاونة)!.
لتدوم في الملك, فكِّر بالحرب
يقول ميكافيللي في مقدمة الفصل الرابع عشر ( ينبغي على الأمير ألا تكون له غاية أوفكرة سوى الحرب, ونظامها وطرق تنظيمها). وتضعف الدولة حينما يبتعد أمراؤها عن هذه الغاية.
كما أن على الأمير أن يطلع على التاريخ, ويتفيد من تجارب عظماء الرجال.
أمير شحيح,مهاب,خائن
وفي الفصل الذي يليه, نجده يصطفي موضوع( مايلام عليه الرجل ومايمدح به) فعلى الحاكم أن يكون خيِّراً وليس شريراً, ولكنه لن يكون مثاليا بحال من الأحوال, لذلك فتجنب الصفات السيئة المهلكة هو السبيل الصحيح, واستعرض عددا من الخصال, منها السخاء والشح, واختار الشحَّ, في أنه يضمن استمرار الدولة, خاصة في الظروف الاقتصادية المتدنية, لأن السخاء يؤدي إلى القلة لدى الحاكم, ومن ثم فرض الضرائب,وهذا مضر للشعب, او تؤدي إلى افتقار الحاكم, وهذا يدفع الناس إلى احتقاره, وهي المسألة التي تؤرق ميكافيللي كثيراً, لذلك أنتج رأيه في أفضلية الشح, حتى إنه يقول: ( لذا فمن الأفضل أن يشتهر الأمير بالحرص الذي يجلب له اللعنة لاالكراهية, وألا يضطر أن يكون جشعا لأن ذلك يجلب له العار والكراهية معاً).
وطرح سؤالا حول أيهما أفضل أن يكون الحاكم محبوباً أم مهاباً؟ يرى ميكافيللي أن على الأمير أن يكون مهابا ومحبوبا في نفس الوقت, أما في حال عدم القدرة على الجمع بينهما فالمهابة أفضل, لأن العامة -في نظره-ينكرون المعروف, ويحبون المراوغة في الحديث, و”أنهم يفدونك بأموالهم ودمائهم حين لايكون هناك داعٍ, لكن إذا اقتربت الأخطار انقلبوا عليك… !”.
ويحذر بشدة من الاستيلاء على أملاك الغير, لأن نسيان الإنسان لموت أبيه أسهل من نسيانه لضياع ميراثه. وقد اختتم بـ( أن الناس يحبون بمحض إرادتهم الحرة, لكنهم يخافون حسب إرادة الأمير.).
ويرى أن أعظم الأمراء إنجازا هم أولئك الذين لم يصونوا العهد إلا قليلاً, ممن تمكن من اللعب بالعقول , فإن القتال نوعان, نوع يعتمد على القوة فقط, وآخر على قوانين وقواعد, والأولى للحيوان, بينما الثانية فهي لمن يحسن استعمالها من بني البشر, حيث تعتمد على العقل والمكر.
الأمير : ثعلباً, وأسداً
وفي عارض رسائله يدعو إلى أن يجمع الأمير بين حيلة الثعلب وقوة الأسد, حتى يتمكن من الانتصار والسيطرة. ويحث ميكافيللي الأمير إلى أن لا يرعى عهدا يكون ضد مصلحته, وأن لا يستمر بوعد انتهت أسبابه, ويصف هذا المبدأ بأنه (شرير), لكنه يستدرك , “يصح هذا الوصف فقط -أي أنه شرير- في حالة ماكان جميع البشر من الأخيار”.
ويؤكد أن الأمير المتقن لفن التمويه والخداع يلقى القبول الأكثر لدى رعيته, ( حيث إن البسطاء من الناس على استعداد لقبول أي أمر واقع, وسيجد من بينهم من يقبل الخديعة ويصدقها).
ويختتم وصاياه بأنه من المحبذ أن يتحلى الأمير بالصفات النبيلة من الرحمة والصدق والوفاء, والتدين, والإحسان, كحقيقة وفعل, لكن يجب عليه التهيؤ إلى التحول نحو أضدادها متى مادعت الحاجة…!
وقد أكد في وصيته على أمر (التدين) وإظهاره دائماً أمام الناس.
الكراهية والاحتقار, أعظم ما يسقط الدول
في الفصل التاسع عشر, كان مدار حديثه حول تجنب الكراهية والاحتقار, وأن أشد ما يدفع إلى كره الأمير هو الاستيلاء على أملاك الناس, واغتصاب الرعايا والنساء, ومتى ماتجنبه فإن الأمير سيغدو في سلام, وستخلو له الساحة لمواجهة الطامعين الباحثين عن المزيد فقط.
أما دوافع الاحتقار لدى العامة فهي “حين يعتقد الناس بأنه متقلب وطائش, ومخنث وجبان, وضعيف العزيمة”. وعلى الأمير أن يتمسك بأي قرار يصدره, وألا يتراجع عنه. لئلا يفكر أحد بخداعه أو تضليله.
و يكاد يلخص ميكافيللي أسباب سقوط عدد كبير من الأباطرة في حصول أمرين هما : الاحتقار والكراهية.
ويرى أن الأمير يكتسب الاحترام حين يعلن عداءه أو تأييده لفرد ما, وأن ذلك أفضل من يكون محايدا دائماً.
كما أن على الحكومة أن تشكك في جميع السياسات, لا أن تتخذ واحدة تؤيدها وتعتقد سلامتها من الخطأ.
رعاية المتميزين,وإقامة المهرجانات
وفي شؤون السياسة الداخلية, فينصح ميكافيللي الأمير أن “يرعى الموهوبين, ويميز القادرين, ويحث المواطنين على العمل, ومكافأتهم, وأن يلهيهم بالمهرجانات, والمعارض في المواسم السنوية المختلفة, وعليه الاجتماع بشتى الطوائف العمالية في بلده”.
اختيار الوزير واختباره
ومما ورد في الفصل الثاني والعشرين توجيه للأمير بحسن اختيار الوزراء والجلساء, وألمح إلى طريقة لمعرفة كُنْهِ الوزير , في أن الوزير الذي يفكر في نفسه كثيراً, ويقدم مصالحه الذاتية بأنه غير صالح, وعلى الأمير إكرام وزيره والإغداق عليه من فضله.
وتطرق ميكافيللي لفئة المتملقين وكيفية تجنبهم, والرجوع إلى أهل الحكمة والأمانة لإبداء وجهات نظرهم في السياسة, وركز على ألا يدع الأمير هؤلاء يوجهون انتقاداتهم علانية, بل لايكون إلا إجابة للأسئلة التي يطرحها الأمير وفي مكان مغلق غير مكشوف.
الكتاب من ترجمة أكرم مؤمن, وطباعة مكتبة ابن سينا.