مدونة المقامة الحِرْزِيَّة - (نثرقديم) المقامة الحِرْزِيَّة حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَتِ بِيَ الغُرْبَةُ بَابَ الأَبْوَابِ، وَرَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالإِيَابِ، وَدُونَهُ منِ َالبَحْرِ وَثَّابٌ بِغَاربِهِ، وَمِنَ السُّفُنِ عَسَّافٌ بِراكِبِهِ، اسْتَخَرْتُ اللهَ فِي القُفُولِ، وَقَعَدْتُ مِنَ الفُلْكِ، بِمَثَابَةِ الهُلْكِ. وَلَمَّا مَلَكْنَا البَحْرُ وَجَنَّ عَلَيْنَا الَّلْيلُ غَشِيَتْنَا سَحابَةٌ تَمُدُّ مِنَ الأَمْطَارِ حِبَالاً، وَتَحوذُ مِنَ الغَيْمِ جِبَالاً، بِرِيحٍ تُرْسِلُ الأَمْواجَ أَزْوَاجاً، وَالأَمْطَارَ أَفْوَاجاً، وَبَقِينا فِي يَدِ الحِينِ، بَيْنَ البَحْرَيْنِ، لاَ نَمْلِكُ عُدَّةً غَيْرَ الدُّعَاءِ، وَلا حِيلَةً إِلاَّ البُكَاءَ، وَلا عِصْمَةً غَيْرَ الرَّجَاءِ. وَطَوَيْنَاهَا لَيْلةً نَابِغِيَّةً، وَأَصْبَحْنَا نَتَباكَى وَنَتَشاكَى، وَفِينَا رَجُلٌ لا يَخْضَلُّ جَفْنُهُ، وَلا تَبْتَلُّ عَيْنُهُ، رَخِيُّ الصَّدْرِ مُنْشَرِحُهُ، نَشِيطُ القَلْبِ فَرِحُهُ. فَعَجِبْنَا واللهِ كُلَّ العَجَبِ، وَقُلْنَا لَهُ: مَا الَّذِي أَمَّنَكَ مِنَ العَطَبِ؟ فَقَالَ: حِرْزٌ لا يَغْرَقُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْنَحَ كُلاًّ مِنْكُمْ حِرْزاً لَفَعْلتُ، فَكُلُّ رَغِبَ إِلَيْهِ، وَأَلَحَّ فِي المَسْأَلَةِ عَليْهِ، فَقَالَ: لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطِيَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ دِيناراً الآنَ، وَيَعِدَنِي دِيناراً إِذا سِلِمَ. قاَلَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَقَدْنَاهُ مَا طَلَبَ، وَوَعَدْنَاهُ مَا خَطَبَ، وَآبَتْ يَدُهُ إِلَى جَيْبِهِ، فَأَخْرَجَ قُطْعَةَ دِيْبَاجٍ، فِيْهَا حُقَّةُ عَاجٍ، قَدْ ضُمِّنَ صَدْرُها رِقَاعاً، وَحَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا، بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَلمَّا سَلَمتِ السَّفِينَةِ، وَأَحَلَّتْنَا المَدِينَةَ، اقْتَضَى النَّاسَ ما وَعَدُوهُ، فَنَقَدُوهُ. وَانْتَهَى الأَمْرُ إِليَّ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تُعْلِمَنِي سِرَّ حَالِكَ، قَالَ: أَنَا مِنْ بِلادِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ نَصَرَكَ الصَبْرُ وَخَذَلَنَا؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: وَيْكَ لَوْلاَ الصَّبْرُ مَا كُنْ ... تُ مَلأَتُ الكِيسَ تِبْرَا لَنْ يَنالَ المَجْدَ منْ ضَا ... قَ بِما يَغْشاهُ صَدْرا ثُمَّ ما أَعْقَبَنِي السَّا ... عَةَ مَا أُعْطِيتُ ضَرَّا بَلْ بِهِ أَشْتَدُّ أَزْراً ... وَبِهِ أُجْبُرُ كَسْرَا وَلَوَ أَنِّيَ اليَوْمَ في الغَرْ ... قَى لَمَا كُلِّفْتُ عُذْراً ------------------------------------- النص هنا مع تحليل على هيئة أسئلة http://farraj0.blogspot.com/2016/02/13.html