مدونة
كيف تكتب مقالا حِجاجيًّا؟ (مهارات_الكتابة)
لا وجود لنوع نصي خالص، أو على الأقل ينذر وجوده ، فأغلب النصوص مكونة من وحدات غير متجانسةنوعيا، ولذلك فتسمية نص ضمن نوع معين يكون بتغليب الأسلوب المهيمن عليه من باب التغليب فقط ، وإلافكل نص لا يخلو من بنيات متعددة.
فما طبيعة النص الحجاجي ؟ وما أهميته؟ وما وظائفه وشروطه؟ وما أساليبه؟ وما خطوات بنائه؟ ومامنهجية تدريسه في المدرسة الابتدائية؟
تعريف النص الحجاجي:
الحجاج لغة : مصدر لفعل حاجج أي غلب بالحجج ، ويقال حاجه محاجة وحجاجا :أي نازعه الحجة . وفيلسان العرب حاججته حجاجا ومحاجة حتى حججته : أي غلبته بالحجج التي أدليت بها .
واصطلاحا : هو فعل إقناعي واستدلالي يعتمد أساليب ووسائل وتقنيات لغوية ومنطقية بهدف الإقناعبفكرة أو قضية أو موقف.
ومن هنا فإن كل النصوص الحجاجية تدافع عن فكرة أو قضية أو موقف، وذلك عن طريق الاعتراض الضمنيأو الصريح على من يتبنى عكس ما سبق ، فإذا كان النص غير موجه إلى الخصم نفسه ، فإن هدفه حينها منع القارئ من أخذ رأي الخصم مأخذ جد ، أما إذا كان النص موجها بشكل مباشر للخصم ، فإن الهدفالمقصود عندئذ ، يصبح هو محاولة إسكات الخصم ، دون البحث عن إقناعه.
أهمية النص الحجاجي:
يعد الحجاج جانبا مهما في المسار اللساني التداولي، فـبنية الحجاج هي أكثر بنية يمكن الاشتغال عليهافي الخطاب لما فيها من قضايا مطروحة على سبيل إلقاء الحجة وتأكيد المطلب ، كما أن الحجـاج « يعد علمامن أرفع العلوم قدرا وأعظمها شأنا ، لأنه السبيل إلى معرفة الاستدلال وتمييـز الحق من المحال، ولولاتصحيح الوضع في الجدل لما قامت حجة ولا اتضـحت محجـة، ولا علم الصحيح من السقيم، ولا المعوج منالمستقيم »[1]
وقد توصلت الدراسات النفسية إلى أن طريقة الأسلوب المختارة في عرض بعض الحقائق من شأنها أنتجعل من تلك الحقائق حاضرة في الوعي بصورة ما أو بأخرى وبالشكل الذي يمكن له أن يؤثر فياستجابة المخاطَب؛ وبالتالي على فاعلية الحجج المستعملة نفسها. ومن المؤكد أن لهذه الطروحات أثر كبير في علم الأسلوبيات. وكل ذلك يدعونا للإشارة إلى أهمية فحص العديد من الصور التقليدية في البلاغة منزاوية فاعليتها الحجاجية على المتكلم والجمهور المخاطَب والخطاب على حد سواء. وبوجه عام، إن تحليلالصور البلاغية المتعددة وفقا للأنماط الحجاجية المتصلة بها، يساعدنا على تحديد آثارها على مختلفمستويات الوعي والإدراك لدى الجمهور المخاطَب.
و لا شك أن النص الحجاجي يستهدف التأثير في الجمهور المخاطَب ويؤدي إلى تحقيق التوافق فيما بينهمويعزز روح الالتزام تجاه القضايا المطروحة لغرض الاتفاق عليها. وكل حجاج يفترض وجود متكلم يعرضلخطاب معين (يمكنه التواصل به كتابيا أو شفهيا)؛ وجمهور متلقٍ لذلك الخطاب الحجاجي.
وظائف النص الحجاجي:
يمكن القول بأن للنص الحجاجي وظيفتين أساسيتين:
أ ـ وظيفة إقناعية: حين يسعى المرسل إلى إقناع القارئ، وجعله يقتسم وجهة نظره مستغلا في ذلكأحاسيسه من أجل(التأثير) أو عقله من أجل (الإقناع).
ب ـ وظيفة جدالية عندما يكون الهدف الأول للمرسل السخرية والتنقيص ممن لا يتفق معهم على قضية أورأي أو موقف.
إنَّ الوظيفة الحجاجية للخطاب تبرز في البنية التركيبية للغة ذاتها، أي أنَّ الحجاج موصل لغوي قبل أنْيكون من مظاهر التداول الخطابي، فالحِجَاج إذن هو عَلاقة دلالية تربط بين الأقوال في الخطاب تنتج عنعمل المحاجة.
ويمكن توضيح ذلك بالمثالين الآتيين:
-
أنا متعب إذن أنا احتاج إلى الراحة.
-
الجو جميل لنذهب إلى النزهة.
بالنظر إلى هاتين الجملتين يلحظ أنّهما تتألفان من حجج ونتائج، فالتعب حجّة للشخص المتعب في الركونإلى الراحة، وجمال الجو حجّة تدعو إلى التنزّه، فالمتكلم يقدّم هذه الحجج لصالح نتيجة مرجوة . فالحجةحسب هذا التصور الجديد، عبارة عن عنصر دلالي يقدمه المتكلم لصالح عنصر دلالي آخر، والحجة قد تردفي هذا الإطار على شكل قول أو فقرة أو نص، أو قد تكون مشهدا طبيعيا أو سلوكا غير لفظي .
ويضاف إلى ثنائية الحجة والنتيجة ركنٌ مهم من أركان هذه النظرية، يعرف بالروابط
والعوامل الحجاجية التي تربط بين المدلولين، فضلًا عن أنه يرد في الخطاب
الحجاجي تعدد الحجج التي تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة، إلاّ أنّها تختلف فيما بينها
من حيث قوة الحجة، وضعفها، وهذه التراتبية المنطقية التي تحكمها، يطلق عليها
السُلَّم الحجاجي.
شروط الحجاج الأساسية :
من المعروف أن من بين شروط الحجاج الأساسية، هو أن نحافظ على رغبتنا في إقناع المتلقي الذي يستمعللخطاب؛ وفي ضرورة التثبت العقلاني/المنطقي على حد سواء، وهو ما يقتضي وجود لغة مشتركة بينالمتكلم والجمهور المخاطَب. وعلينا أن نعرف جيداً، في أي وقت وتحت أي ظرف من الظروف يمكن استعمالوتفعيل تلك العناصر الحجاجية ؟ وكيف يجري التحول من حالة الأمر إلى الإقناع ؟ وما هي الشروطالنفسية والسوسيولوجية التي تدفع نحو إحداث ذلك التحول؟ وهل سيكون هناك ثمة تمييز في هذا الصددلتلك الشروط التي تعزز من الحجاج المتحرر من الإجراءات المحددِة لقواعد الاتصال المؤسساتي الإلزامي بينالمتكلم والمخاطَب لمجتمع ما أو لبعض الحالات في بعض المواقف. ويكفي أن نفكر في هذا الشأنبالمؤسسات السياسية والدينية؛ وفي التعليم الإلزامي، وفي جميع الإجراءات التي ينص عليها القانونالوطني والدولي والتي تهدف إلى تعزيز الاتصال وتبادل الأفكار عند الفرد أو بين شخصين، في الدعوىالقانونية؛ أو في المحادثة.
فمن أجل أن يتسم الخطاب الحجاجي بالفاعلية، ينبغي أن يستند المتكلم إلى القضايا المسلّم بها لدىالجمهور المخاطَب، كما يجب استحضار أنواع الحجج المستعملة ومستويات فاعليتها كذلك تبعا لاختلافالسياقات والتخصصات والحقب، فهناك بعض الحجج التي يصطلح عليها بشبه المنطقية والتي تكتسبصلاحيتها من قوة التثبت العقلاني الذي تستدعيه نماذج الاستدلال الشكلاني المنطقية أو الرياضياتيةالمعتمدة بشكل ضمني في ذلك النوع من الحجج، كما أن مشكلة الحجج المنتهية الصلاحية التي لم تعدتتوافق وسياقات الخطاب الجديدة، لا تنفصل بالطبع عن تلك المتعلقة بالحجج المستعملة في الخطاباتالثقافية الخاصة بالمجتمعات البعيدة عنا كثيرا.
الروابط الحجاجية:
كانت الروابط الحجاجية أهمَّ الأسس التي انطلق منها ديكرو انسكومبر في نظريتهما الحِجَاجية المتمثلةفي أنَّ الوظيفة الأساسية للغة هي الحِجَاج، وأنّ المكون الحِجَاجي في المعنى أساسيٌ،في حين يعتبرالمكونالإخباري ثانويا.
إن الروابط عموما متى توسطت دليلين باعتبارها روابطً حجاجيا جعلت الدليل
الوارد بعدها أقوى من الدليل الذي سبقها فتكون للاحق الغلبة المطلقة بحيث يتمكن
من توجيه القول بمجمله فتكون النتيجة التي يقصد ها هذا الدليل الثاني ويخدمها
هي نتيجة القول برمته، وهنا سأشير إلى بعض الروابط الحجاجية المتداولة في المدرسة الابتدائية وأركزعلى بعدها الوظيفي بعيدا عن البعد العاملي.
فواو العطف يعد رابطًا حجاجيا يقوم بوصل الحجج بعضها ببعض؛ لغرض تقوية هذه الحجج ووضعهابشكل نسقي أفقي، وتتعضد كل حجة منها بالأخرى إلا أنها عاطفة لمطلق الجمع، فلا تفيد الترتيب. مثلقولنا استيقظت باكرا وتناولت فطوري والتحقت بعملي…
ويأتي الرابط الحجاجي (فاء العطف) رابطًا يحقق الانسجام الحجاجي في ترتيب
النتائج، إذ من معانيها الترتيب والتعقيب وذلك كقولك : مررتُ بعَمرو فزيد فخالد
وهناك الرابط الحجاجي (ثم)الذي يفيد العطف والترتيب، إلّا أنّها تختلف عن الفاء
في المهلة، فإنّ المهلة معها أطول وفيها تراخٍ و فيها إيحاء خاص بالمهلة والتراخي والبطء، وهي المعانيالتي أشار إليها النحاة في خصائص العطف بها. إذ لا تنحصر مهمّتها في الربط بين الجمل فقط، بل تؤديوظائف ودلالات أخرى داخل الملفوظ، وقد يوظّف هذا الرابط الحجاجي للانتقال من حالة إلى أخرى بصورةتراتبية، إذ يربط بين الحجة ونتائجها بصورة تعرف ب(ربط التفريع أو الاتباع)، فيشير هذا النوع من الربطإلى أنّ العَلاقة بين صورتين من صور المعلومات في عَلَاقة تدرّج، أي أنّ تحقق إحداهما يتوقف على حدوثالأخرى، أمّا روابط التعارض والتساوق الحجاجي فإنّها تكون باستعمال(بل، لكن، مع ذلك)أيضا، فالتعارضالحجاجي يكون بالحجج التي تساق لمساندة نتيجتين متعارضتين، أي أنّ كلّ حجّة تساند نتيجة هينقيض النتيجة التي تساندها الحجّة الأخرى.
والرابط (لكن) لا تقع إلاّ بين كلامين متغايرين في النفي والإيجاب فتكون الحجّة التي بعده وهي أقوى منالحجّة التي قبله، وعليه فإنّ الرابط (لكن) يربط بين حجتين متعارضتين من خلال إقامة عَلاقة حجاجيةبينهما، فالحجة الواردة قبله تحمل نتيجة ضمنية نرمز لها(ن)، والحجة التي بعده تحمل نتيجة ضمنيةمعارضة لنتيجة (ن)، نرمز لها (لا ن)، فالقول بمجمله يؤول إلى النتيجة المضادة(لا ن)، ؛ لأنها أقوى منالنتيجة (ن)، يُلحظ في النص أنّ حكم ما بعد الرابط (لكن) مخالفٌ لحكم ما قبله، فالرابط (لكن) يفيدالانتقال من غرض إلى آخر، لهما توجه حجاجي واحد، ويخدمان نتيجة واحدة، فمتى توسطت (لكن) دليلينباعتبارها رابطًا حجاجيا جعلت الدليل الوارد بعدها أقوى من الدليل الذي سبقها فتكون للاحق الغلبةالمطلقة بحيث يتمكن من توجيه القول بمجمله فتكون النتيجة التي يقصد ها هذا الدليل الثاني ويخدمهاهي نتيجة القول برمته.
أما الرابط [حتى] فالحجج المربوطة بواسطته ينبغي أنْ تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة، أي أنّها تخدمنتيجة واحدة، ثم إنَّ الحجة التي ترد بعد هذا الرابط تكون هي الأقوى،… ولذلك فإنَّ القول المشتمل علىالأداة [حتى] لا يقبل الإبطال والتعارض الحجاجي.
الرابط [بل] يأتي لنفي كلام و إثبات غيره .فهذا الرابط يُوجِد تعارضا بين ما يتقدمه وما يتبعه، ذلك أنّالتلفظ بالقول الأول يتجه إلى النتيجة (ن)، ويجعل من القول الثاني يتجه إلى نتيجة (لا ن)، زد على ذلك أنَّالمتكلم يقدم الحجة الثانية بوصفها الحجة الأقوى؛ لأنها التي توجه الخطاب أو القول برمته.
هذه بعض الروابط الحجاجية الأكثر تداولا في مدارسنا الابتدائية بقي أن نشير إلى أن الحجاج يكونبأساليب متعددة منها:
أ ـ الحِجَاج بالنفي:
النفي ردّ فعل على إثبات فعلي، ووظيفة أدوات النفي الحِجَاجي يمكن إدراكها بإدراك النتيجة التي يريدالمحاجج توجيه المتلقي إليها.
ب ـ الحجاج بالقصر:
يُعدّ القصر من العوامل الحِجَاجية التي يستعملها الخطيب لتوجيه خطابه الوجهة التي يريد، فهو توكيدمضاعف له بُعد حجاجي أعمق، وأنجع في توجيه المتلقي إلى النتيجة المضمرة. ويُستعمل في حال إنكارالمتلقي للخبر، ويكون ذا قيمة حجاجية عالية، فالغاية من وروده تكون لتمكين الكلام وتقريره في الذهن.
وأحيانًا يستعمل الخطيب أكثر من مؤكّد؛ ليجعل المتلقي يسلّم له بما عرض عليه سلفا من حجج، والقصرفي العربية نوعان:
أحدهما: يكون ب(النفي والاستثناء)، ويُراد من هذا النوع قصر الشيء وحصره بصاحبه
من دون سواه. ويكون بهذه الطريقة لتحقيق فائدة التوكيد، فالتوكيد سمة أساسية
في أسلوب القصر، والقصر يحصر فعالية الحِجَاج في وجهة حجاجية واحدة؛ ليضيف
للكلام قوة حجاجية، ويكسب الجملة بعدا حجاجيا أعمق وأنجع في التوجيه نحو النتيجة الضمنية.
السلَّم الحجاجي :
المقصود بالسلَّم الحِجاجي العَلَاقة التراتبية للحجج، أي يمكن ترتيب الحجج بشكل يعلو بعضها علىبعض حينما تستلزم نتيجة واحدة، وهذا يأتي طبقا لقوة هذه الحجج.
ذلك أنها تتفاوت في قوتها التدليلية والتبليغية والتأثيرية من حيث تدرجها من الأضعف
إلى الأقوى في إطار ما يسمى ب(السلَّم الحجاجي)
فالخطيب يرتّب حججه بتدرّج وتراتبية بحسب تفاوتها في القوة لخدمة النتيجة المضمرة بالربطالحِجَاجي.
و من هنا فإن الحجج إما أن تكون قوية أو ضعيفة. وعليه ينبغي أن نتساءل عن كيفية الوصول إلى تقييممناسب لقوة أو ضعف الحجة ؟ وهل يتماثل هذا التقييم بشكل متواز مع فاعلية الحجاج ؟ وإذا كانت هذهالأخيرة تتحدد حسب نوع الجمهور المخاطَب. فهل علينا أن نُرجع الحجاج إلى مفهوم الصلاحية الذييتحدد وفق احتمالات قابلة للحساب في الاستنتاج؟ مع العلم أنه لا يمكن اختزال جميع الحجج في ذلكالنمط من الاحتمالات الحسابية. لذلك من المهم للغاية معرفة وتحديد أنواع الحجج التي يمكن أن تنبنيبطريقة شكلانية وما هي شروط ذلك البناء.
ومن أجل أن تملك الحجة قوة وفاعلية، يجب أن تكون ملائمة ووثيقة الصلة بموضوعها.
خطوات بناء النص الحجاجي:
خصائص ووظائف النص الحجاجي:
النص |
وظيفته |
بعض الخصائص اللسانية المميزة |
النصوصالممثلة لها |
موقع القارئفيها |
النصالحجاجي |
يبحث عن الإقناعيقدم الأدلة التي تسمحلرأي أو لوجهة نظر أنتنتصر على غيرها(الإقناع والبرهنة) |
التنظيم المنطقي للبرهنة :الدفاع عن الأطروحة أوالرأي بحجج مدعمة بأمثلة وشواهدبروز شبكة واضحة من الروابط المنطقيةاستعمال أسلوب صريح وواضح في أغلب الأحيانأهمية مؤشرات التلفظ (من يتحدث؟ إلى من ؟) التيتخبر عن موقف الكاتب مما يقوله :درجة اليقين ،طبيعة الأحكام.تؤدي الرغبة في الإقناع إلى وسم توظيف النصوصالتفسيرية والتوجيهية بالداتية (الاستعمال الجزئيللأمثلة ، التوظيف البلاغي…) |
خطبمناظراتمجادلاتافتتاحياتالصحفمقالات وتعاليقالصحفمنشوراتسياسيةوإشهارية |
التأملوالتبصرالتلقيالمنفعلوالمتواطئمع الرسالةالصدور عنفكر نقدي |