تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

حسن بن جابر المدري الفيفي Hasan J. Alfaify

Assistant Professor

أستاذ الأدب والنقد المساعد، رئيس وحدة التطوير بكلية الآداب Assistant Professor of Classical Arabic Literature

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
1ب 48
مدونة

سحر اللغة: كاد - والله - يسبق السيف العذل! (مهارات_القراءة)

من كتاب " المستجاد من فعلات الأجياد " للقاضي التنوخي
---------------------------------------------------------

حدّثَ القاضي أحمد بن أبي دؤاد قال: ما رأيت رجلاً عُرض عليه الموت فلم يكترث به ولا" شغله عما أراده حتى بلغه وخلصه الله من القتل" إلا تميم بن جميل السدوسي الخارجي، وكان قد خرج على المعتصم، ورأيته قد جيء به أسيراً فأدخل عليه، وقد جلس المعتصم للناس مجلساً عاماً، ودعا بالسيف والنطع. فلما مثل بين يديه، نظره المعتصم فأعجبه حسنه وقده ومشيته إلى الموت غير مكترث به، فأطال الفكر فيه، ثم استنطقه لينظر أين عقله ولسانه من جماله، فقال: يا تميم إن كان لك عذر فأت به. فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين في الكلام فإني أقول: الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله سلالة من ماء مهين. يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولم بك شعث الإسلام والمسلمين، وأخمد بك شهاب الباطل، وأنار بك سبيل الحق، إن الذنوب يا أمير المؤمنين تخرس الألسنة، وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وساء الظن، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق. ثم أنشده:

أرى الموت بين السيف والنطع كامناً ... يلاحظني من حيث ما أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يفلت
وأي امرئ يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت
يعز على الأوس بن ثعلب موقف ... يسل علي السيف فيه وأسكت
وما جزعي من أن أموت وإنني ... لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت
كأني أراهم حين أنعى إليهم ... وقد لطموا حر الخدود وصوتوا
فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة ... أذود الردى عنهم وإن مت مُوِّتوا
وكم قائل لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسر ويشمت

                                         
قال: فبكى االمعتصم، ثم قال: إن من البيان لسحراً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: يا تميم كاد والله يسبق السيف العذل، وقد وهبتك للصِّبية وغفرت لك الصَّبْوة، ثم عقد له ولاية على عمله، وخلعَ عليه، وأعطاه خمسين ألف دينار.