تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أ.د. علي بن سالم باهمام Prof. Ali Bahammam

Professor

استاذ العمارة والإسكان Professor of Architecture & Housing

كلية العمارة والتخطيط
(Office: Room No. (2013
المنشورات
مقال فى مجلة
2009

التيسير يعني فن التمكين في الإسكان

باهمام, علي بن سالم . 2009

تيسير الإسكان

تتميز المجتمعات العربية بمعدلات نمو مرتفعة، وهو ما يجعلها مجتمعات فتية، وغالبية سكانها من فئة الشباب، وهو ما يعني ارتفاع معدل تكون الأسر الجديدة، ومن ثم زيادة حجم الطلب على المساكن.  ولكن الحصول على المسكن الملائم أصبح غير ميسر لعدد كبير من الأسر المتكونة حديثاً في العالم العربي، وأصبح الحصول عليه - ناهيك عن امتلاكه - صعباً بشكل متزايد؛ خصوصاً بالنسبة للأسر ذات الدخول المنخفضة، وتزداد الصعوبة بشكل أوضح في المدن والحواضر.  من هنا تظهر الحاجة إلى العمل بجدٍّ في توفير الإسكان الميسر لمقابلة الطلب المتزايد بنوعيات ملائمة من المساكن تتناسب مع المقدرة المالية للسكان، خصوصاً أن الحصول على المسكن يعد مطلباً ضرورياً لتكوين الأسرة، واستقرارها النفسي، ونموها الاجتماعي، ورفاهها الاقتصادي. 
وتعود مشكلة عدم التمكن من الحصول على المسكن – في الغالب - إلى انخفاض دخل الأسرة، وارتفاع تكلفة المساكن، مع انعدام الدعم الحكومي أو انخفاضه.  وعندما تضطر الأسرة إلى الإنفاق على المسكن بنسبة من دخلها تؤثر على جوانب الإنفاق الضرورية الأخرى (مثل: متطلباتها الأساسية من الغذاء أو العلاج أو التعليم)؛ فإن المسكن لا يكون ميسراً.  وتؤدي صعوبة الحصول على المسكن إلى تأخر الشباب عن الزواج، بينما يؤدي توفر المساكن الميسرة إلى سرعة تكوُّن الأسرة، وسهولة إنشائها، كما يضمن استقرارها النفسي، ويحقق متطلباتها الاجتماعية واحتياجاتها المعيشية.  وكون الأسرة عماد المجتمع فإن العمل على إيجادها بالشكل السليم سيجنب المجتمعات العربية الوقوع في كثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وسيعمل - بعد ذلك - على رفاهيتها ونموها.
وعلى الرغم من أهمية موضوع التيسير في الإسكان إلا أنه لا يزال يُناقش في عالمنا العربي برؤى مختلفة ومن زوايا متباينة، فبعضهم ينظر إلى الإسكان الميسر على أنه الإسكان المخصص للفقراء أو ذوي الدخول المنخفضة، وبعضهم الآخر يعتقد أنه الإسكان أو المسكن منخفض التكلفة فقط، خصوصاً أن المسكن الميسر يعرف - في كثير من الأحيان - بأنه المسكن الذي لا تزيد تكلفته - سواء كان إيجاراً أو أقساطاً شهرية لتسديد قرض تمويل لامتلاكه - عن ثلاثين في المئة من دخل الأسرة.  وقد ظهرت هذه النسبة لتحدد ما يمكن لوسيط الأسر من إنفاقه من مجمل دخلها للحصول على المسكن الملائم.  إلا أنه يلزم التنبه إلى أن هذه النسب والمعدلات غير قابلة للتطبيق عندما تزيد تكلفة المساكن بنسبة أكبر من نسبة زيادة دخول الأسر، خصوصاً ذات الدخول المنخفضة منها؛ فكثير من هذه الأسر لن تستطيع تخصيص نسبة ثلاثين في المئة من دخلها دون التأثير على جوانب الإنفاق الأخرى.  وعلى الرغم من أن هذا التعريف صحيح في كونه مؤشراً أولياً للحكم على مستوى التيسير في الإسكان، إلا أنه ليس التعريف الوحيد، فالتيسير أوسع من ذلك وأشمل، حيث إنه فن التمكين من مختلف الجوانب الاقتصادية منها والاجتماعية والبيئية والتنظيمية.  إن التيسير في الإسكان هو توفير المسكن الملائم للأسرة بما يحقق احتياجاتها الأنية، ويستوعب رغباتها المستقبلية، في حدود إمكانياتها المالية، وضمن ما تسمح به تنظيمات البناء واشتراطاته، وأن لا يتطلب جهداً كبيراً من الأسرة، أو تكاليف باهظة لتشغيله والعناية به وصيانته على مر الأيام. 
ويكمُن التيسير (أو فن التمكين) في تقليص الفجوة بين دخل الأسرة وتكلفة المسكن، وبين ما ترغب الأسرة في الحصول عليه وما تستطيع أن تمتلكه.  ومن هنا يمكن تعريف المسكن المُيسر بأنه المسكن الذي يوافق الاحتياج مع خفض التكاليف ورفع الجودة، فهو يساهم في خفض التكاليف الأولية للمسكن والتكاليف اللاحقة للصيانة بما يتناسب مع الإمكانيات المالية للأسر، كما أنه يعمل على الرفع من مستوى الجودة النوعية بتوفير الأمان والقوة في المبنى، وكذلك راحة السكان في كل أجزاء المسكن وعناصره، كما يلبي المتطلبات الاجتماعية، ويستجيب للظروف المناخية، ويتفاعل مع العوامل البيئية.
وتساهم العديد من العوامل التنظيمية والتصميمية والهندسية والفنية والمالية في توفير المسكن الميسر.  وتلعب العديد من العوامل دوراً في توفيره للأسرة بسعر ميسر يتوافق مع مقدرتها المالية، منها: توفر قنوات التمويل بأسعار مرابحة أو فائدة ميسرة، وتوفر قطع الأراضي السكنية بالمجان أو بأسعار منخفضة وممكنة، وتخفيض تكاليف تطوير الأرض لتوفير مرافق البنية التحتية الأساسية للإسكان مع استخدام الأرض بكفاءة اقتصادية عالية، وتقديم تصاميم معمارية وعمرانية تحقق مفاهيم التيسر بشكل شمولي، بالإضافة إلى توفر مواد البناء بأسعار منخفضة، وتوفر تقنية إنشاء سريعة ومنخفضة التكلفة، وتوفر المهارات الفنية والعمالة المطلوبة للبناء بأجور مناسبة، وضمان جودة المنشآت وطول أجلها.
ومع هذا ينبثق التيسير في الإسكان – وبشكل أساسي - من التصميم المعماري والعمراني الديناميكي والمرن المحقق لمتطلبات المستفيدين الآنية، والمتغيرة مع مرور الأيام.  ابتداء من تقليص مساحة الأرض والاستعمال الفعال لها عند التصميم، وإلغاء المساحات غير المستغلة والاستفادة منها، والأخذ بمبدأ المرونة في تصميم المسكن، وتعدد وظائف فراغاته، وجعل توسيعه وقابلية نموه وإعادة تشكيله ممكنة وسهلة، مع التأكيد على تطبيق التنسيق (المديولي) في التصميم والتوحيد القياسي لعناصر المسكن ومكوناته، والعمل على توحيد الأنظمة الهندسية وتكاملها مع بعضها، وتقديم نماذج تصاميم أساسية ومبسطة للوحدات السكنية، مع توفير كثير من البدائل التكميلية الإضافية التي تلبي الرغبات المختلفة للأسر.  فالتصميم المعماري يمثل حلقة الوصل الأساسية بين مستوى الدخل وتكلفة إنشاء المسكن، ولكي يتوافق سعر المسكن الميسر مع المقدرة المالية للأسر يتعين تقديم حلول معمارية مبتكرة تستطيع استيعاب اقتصاديات المساحة والتكوين، بحيث يتوافق تصميم المسكن مع المبادئ التي تعمل على خفض التكلفة.  ويجب ضمن هذا الإطار أن تكون مساحته وتوزيع عناصره ذا فعالية وظيفية قصوى، وذا إنشاء سليم، وذا شكل معماري متقن، مع الاهتمام بتوفير المتانة وخفض تكاليف الصيانة.
يحكم تصميم المسكن الميسر عاملان رئيسيان: فيجب أولاً خفض تكلفته إلى أقل ما يمكن، مع الأخذ دائماً في الحسبان مقدرة السكان المالية.  كما يلزم في المقام الثاني الحفاظ على توفير مستوى عال من الجودة.  ولتوفير أفضل سكن بتكلفة محدودة يجب أن يناقش المعماري عند التصميم وبشكل دائم: ما أصغر مساحة مناسبة للفراغ؟ وكيف أزيد من كفاءة استعماله بتصاميم بسيطة سهلة التنفيذ؟  كما يتطلب تخفيض التكلفة في مرحلة التصميم العناية الفائقة بثلاثة عوامل: المساحة، وتعقيد التصميم المعماري، والجودة.  فالفراغات المعمارية ترفع من التكلفة، وكذلك درجة التعقيد المعماري، واستخدام مواد البناء وعناصر المسكن ومركباته ذات الجودة العالية.  لذا يعد تخفيض المساحة المبنية ودرجة التعقيد المعماري مدخلاً سليماً للإسكان الميسر، إلا أنه يلزم وبشكل عام الحرص على استخدام مواد بناء وإنهاء عالية الجودة، ولكن بقدر الاحتياج. 
ويتعين لتحقيق الإسكان الميسر على أرض الواقع في العالم العربي أن تزيد عناية المهندسين المعماريين بتقديم تصاميم لمساكن صغيرة (نواة) قابلة للنمو مع نمو إمكانيات الأسرة واحتياجاتها، على أن تكون ذات جودة وظيفية وإنشائية عالية.  وأن يتم تشجيع المطورين وتقديم التسهيلات التنظيمية والإجرائية التي تشجعهم على تقديم وحدات سكنية صغيرة وميسرة للأسر الشابة أو المتكونة حديثاً ضمن جميع مشاريعهم الإسكانية.   

نوع عمل المنشور
مقالة عمرانية
رقم المجلد
الثامن
رقم الانشاء
شهر ديسمبر
مجلة/صحيفة
مجلة دوموس
مزيد من المنشورات
publications

ملخص البحث: ضمن إطار برامج دعم تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠، يُعنى برنامج جودة الحياة بتحسين جودة حياة الأفراد في المجتمع السعودي. إذ أصبح مفهوم جودة الحياة هدفاً تسعى…

بواسطة نهار عبدالفتاح و علي باهمّام
2024
تم النشر فى:
جامعة الإمارات
publications

انتشر الإسكان التشاركي حول العالم، بسبب مرونة المنصات الإلكترونية للحجوزات وما تتيحه من تنوع في الخيارات. وقد أدى انتشاره إلى ظهور أنماط متعددة، تتسم ببعض الصفات المشتركة، وتختلف في بعض التفاصيل…

بواسطة سعيد البرقاوي وعلي باهمام
2024
تم النشر فى:
جامعة الإمارات
publications

تمثل الاستدامة الاجتماعية الثقافية إحدى الركائز المهمة للتنمية المستدامة، بصفتها من أساسيات مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠ لتحقيق التنمية المستدامة، التي ترتقي بمستوى معيشة المواطن،…

بواسطة محمد القحطاني وعلي باهمام
2024
تم النشر فى:
جامعة أسيوط