مدونة
هل تزوج ابنتك لمدخن؟
هل تزوج ابنتك لمدخن؟
بقلم الدكتور أحمد بن علي الصرخي
(.. لا لن أزوج ابنتي لمدخن)..
قالها بقوة عندما سألته :هل صحيح أنك رفضت فلاناً الذي تقدم لخطبة ابنتك لمجرد أنه مدخن؟
نظر إليّ ملياً، ثم أشار إليّ بالجلوس وقال: لي في هذا القرار نظرة بعيدة، قد تقتنع بها، وقد لا تعجبك، ولكن أسمعني حتى النهاية. عدلت جلستي وقلت: كلي آذان صاغية؟
تنهد الرجل ونظر للسقف في تأمل وهو يقول: جاءتني هذه البنت وحيدةً بعد عشر سنينٍ عجاف من الاجهاضات المتكررة التي عانتها زوجتي. أحببناها كما لم نحب شيئاً قط، ملأت دنيانا كما لم نكن أحياءاً قبلها، كنا صحاريَ فأحيتنا، وقفاراً فبعثتنا من جديد..هي رقيقةً كنسمة، بل أخاف عليها من جلافة النسمات..ملاك يمشي على الأرض..أردت حمايتها حتى ولو (..وضعتها في جفون عيني..) كما يقول الشاعر العربي.
رغم تربيتي لها لتكون قويةً تعتمد على نفسها، كنت أراها دائماً طفلتي التي أخاف عليها السقوط ، هل بالغت في حمايتها؟، ربما.. لكني أبوها، وهي طفلتي الوحيدة، تحمل في خلاياها نصف خلاياي، وفي روحها شيئاً من روحي، ربيتها أنا وأمها تربيةً مثالية، مليئة بالقيم العليا، والسلوكيات الرفيعة، وبعد هذا التعب كله لا أتمناها أن تكون شريكة حياة لشخص لا يعرف معنى الحياة... بل يمقت الحياة.
صمت برهة ثم استطرد:
أنا لا أعرف الرجل، ولكن لمعرفتي بأنه مدخن، فقد دق في رأسي ألف سؤال ، وألف علامة استفهام وقلق.
المدخن يا عزيزي لديه إشكالات نفسية وفكرية كبيرة من وجهة نظري، قد تعكس نفسية مضطربة، أنا لا أناقش هنا الجانب الصحي المقيت للتدخين، وأثره على المدخن، ولكني أنظر لأبعد من ذلك...
إن المدخن يا عزيزي لديه اشكالية في تقدير المخاطر والحكم عليها، فهو عندما يحرق سيجارة تلو الأخرى، فهو يحرق شيئاً من صحته مع كل نفس يستنشقه، إن كان لا يعرف ذلك فهذه مصيبة، وان كان يعرف فالمصيبة أدهى وأمّر.. فكيف آمن على بٌنيتي من شخص لاتأمنه نفسه على نفسه؟..
ثم إن كثيراً من المدخنين لا يٌقّدرون أولويات حياتهم، فليس من المستغرب أن ينام أطفال المدخن جياعاً وهو في المقهى يشيش، أو يبخل ببعض الريالات عن أولاده ليشري بها بعض التبغ ليحرقه على ملابسه، ويحرق معها شفتيه وأطراف أصابعه .. هل كل المدخنين كذلك؟، لا أظن! لكن الذي أعرفه أنني لن أغامر بثمرة قلبي مع شخص لا يعرف أولوياته، فكيف يدير بيتاً فيه زوجة وأولاد؟
هززت رأسي أن استمر، فاستطرد قائلاْ:
ثم هناك جانب الأنانية وحب الذات، وعدم احترام الآخرين، فالمدخن لا يهمه أن يلوث الهواء على من حوله، المهم هو (الأنا) لديه وما بعده الطوفان، لا يهمه رائحة التبغ المحروق، ولا أنفاسه المشئومة، ولا حرية الآخرين المسلوبة الذين يتمنون تنفس هواءٍ نظيف، المهم هو... هل تعطي مثل هذا الشخص فلذة كبدك؟ ، إن مثل هذه الشخصية الأنانية قد تعكس جوانباً أخرى أكثر قتامةً وسوءاً، لا أرضاها لابنتي أن تتعايش معها في يوم ما.
صمت هنيةً، وارتشف شيئا من قهوته ثم استكمل:
ثم إن حرقه ماله في السجائر، يعطيني انطباعاً كارثياً عن سفاهةً ما، إن عدم قدرة المدخن عن الإقلاع عن عادة التدخين القاتلة تعطيني - لعمري- انطباعاً عن ضعف في الإرادة و بؤس في القرار ، فإن لم يكن كذلك فهو - بلا شك - شخص لا يستطيع كبح شهواته التي تتخاذل أمام سيجارة لا تسمن ولا تغني من جوع.
صمت برهة ثم نظر الي وهو يقول: أبعد كل هذا هل تلومني في محاولتي حماية صغيرتي من مستقبل مجهول مع شخص لا ترى في تباشيره شيئاً من خير؟
هل أكون مبالغاً؟..
قد أكون، ولكني حتماً أب يحرص على فلذة كبده.
هل أكون مجحفاً؟
قد أكون.. لكني لن أسامح نفسي حين إجحف في حق صغيرتي...
لن أسامح نفسي عندها أبداً.